لأنها حاسمة.. ستكون شاقة يا أبا حمزة

TT

ابدأ من حيث بدأ الدكتور إياد علاوي بعبارة «يمر العراق بواحدة من أصعب مراحله التاريخية» في مقاله المنشور يوم 19 مارس (آذار) الحالي. حيث ستواجه القوى الليبرالية المتمثلة بالكتلة العراقية مؤامرات وتكتيكات وتكتلات لا حصر لها. لذلك ينبغي التحسب بضبط مرحلة الحوار والسيطرة على التصريحات، وإظهار وحدة القيادة التي سيحميها الناخبون في كل محطاتها، وعدم غلق الأبواب أمام كل من ينحاز إليكم من كتلة المالكي، فردا كان أو تنظيما شكليا، حيث أظهرت نتائج التصويت شكلية الهياكل، مع ضرورة «عدم التعاطي» مع الانتهازيين من تجار السياسة، الذين مروا من طريقكم إلى مواقع كانوا يحلمون بها، ثم تخلوا عن الأمانة الأخلاقية والسياسية ونكثوا العهود، فحق عليهم عقاب صناديق الاقتراع، فدعوهم يجرون ذيول أفعالهم ومواقفهم.

لقد حصلت يا أبا حمزة على شرف التلاحم الوطني في بغداد التي «حلموا» بتغيير اسمها، وفي محافظات شمال العاصمة وغربها، فيما هُزم أصحاب النهج الطائفي الفئوي الذي حكم العراق خلال السنوات الأربع الأخيرة، هزيمة رسمت علامات سقوط وطني فظيع، عندما رفض الناخبون «بالمطلق» التصويت لهم وللأشخاص الذين ظنوا أنهم سيجلبون لهم أصوات الرافضين لنهجهم من مناطق فوزكم الكبير. وينبغي التركيز - وهي لا تفوتكم - على عدم شرعية فرض حاكم على شريحة كاملة من نحو عشرة ملايين شخص رفضوه رفضا ساحقا، لأن الحاكم الذي ترفضه شريحة كاملة بهذا الحجم، أو مكون كما يسمون، ليس أمامه إلا الانسحاب من الحكم أو أن يُحبط إصراره. وأي إصرار على تسميته رئيسا للحكومة يعتبر التفافا على الديمقراطية، ومؤامرة قهر لتلك الشريحة، من الواجب مواجهتها على طول وعرض الأفق الديمقراطي غير المحدود.

وحيث فشل فريق الحكم في الحصول على موقع قدم «لنملة» غرب وشمال بغداد، فيما نجحتم، رغم كل جهود السلطة ومغرياتها ووسائلها والحرب النفسية التي شنت عليكم، في الحصول على نسبة معقولة تتوافق مع التخمينات في جنوب بغداد، مع أنهم أرادوها انتخابات طوائف، وما تحقق جنوبا كان مؤشر الاختراق الوحيد ولو بقدر أقل من الطموح.

الماء والكهرباء والأمن والسيادة والخدمات والعدل والمساواة، هذه شعارات مرحلة الانتخابات ومقياس نجاح الحكومة المقبلة، لكنها لن تترك أثرا على السياسيين المتخاصمين الآن، وينبغي أن يكون تكتيككم منصبا على استخدام كل القدرات الشرعية المتاحة وعلاقاتكم العربية الممتازة والمنحازة إليكم بحق والدولية الممتازة، لتشكيل الحكومة المنتظرة. ولا بأس أن تكون أنت ورفاقك بوابة الربط بين منافسيكم السياسيين - عدا المالكي - والدول العربية، فزيارات مبرمجة عن طريقكم ستكون عوامل مساعدة لفهم مستقبل المنطقة. ولتكن البداية بقوى الاعتدال في الائتلاف الوطني، فالخطاب المتوازن للسيد عمار الحكيم والدكتور عادل عبد المهدي وغيرهما يعطي إشارات مهمة.

ومن أكثر ما يقلق خصومكم السياسيين أن تكون حكومتكم محطة لقلب المعطيات غير الطبيعية التي أريد ترسيخها، وهنا لا بد من طمأنتهم إلى المبادئ الأساسية، وهي أن فلسفة الحزب الواحد أو القائد لن تعود طالما أن الاحتكام قد ترسّخ بصناديق الاقتراع، ولم يعد في وسع أحد إعادة معادلات غير سليمة، وان فكرة المظلومية ما صح منها وما بولغ فيه قد انتهت. ولا يجوز الانتقال بالمظلوميات من شريحة إلى أخرى. وينبغي وقف غسيل أدمغة البسطاء من قبل أصحاب الغرض السيئ، بموقف إعلامي قوي ورصين وواضح. وهذا يتطلب حسن اختيار فريق عملكم من المستشارين.

ومن الضروري إعطاء رسالة واضحة للكتل السياسية بأن بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية لن يكون مرة أخرى على أساس تفكيك المؤسسات القائمة، بل بإعادة تنظيمها لتكون أجهزة وطنية خالصة ومنع الولاءات. ولا خيار غير العمل بمبدأ الشراكة مع الكتل السياسية، فليأخذوا ما يريدون من الوزارات ضمن حدود المنطق، شريطة الالتزام بنهج الانفتاح العربي والوطني، وإلغاء حدود التعامل الوطني على أساس الطائفة والعرق. فالمهم هو قيادة الدولة وتوجيهها بموجب بوصلة نقطة الأصل للوصول إلى الهدف.

سيحاول فريق المالكي التشبث بمصطلحات وادعاءات مملة، وبعضها غوغائي، استنادا إلى نظريات فارغة لتخويف البسطاء مما يسمى بعودة البعثيين. وهو ما يتطلب توضيح الحقائق عن الفكر الليبرالي المتحضر، فلا تخشوا دعايات المغرضين. فقبل الانتخابات كنا نُتهم باستهداف المالكي والتحريض عليه لأسباب غير معروفة، أما الآن فثبت أن ما قلناه يستند إلى تقييم دقيق لرؤية شريحة واسعة من الناس تجاهه جراء استهدافهم، شريحة عاقبته بالرفض المطلق، وأروع ما في أبعاد الرفض إنه أُطر بإسناد مطلق لقيادتكم. بما يمكن التأسيس عليه لإعادة التلاحم الوطني وإن استغرق وقتا.

الثبات الثبات، والمناورة والصبر والتصميم كما عرفناك يا أبا حمزة ورفاقه.