«ما ينفع على التليفون»!

TT

ما إن يحدث أمر في العراق، أو أفغانستان، أو يكون ذا صلة بمنطقتنا، إلا ويأتي تعليق الخارجية الأميركية، أو البيت الأبيض، بعدها بدقائق، أو قل ساعات، وكذلك البريطانيون، وغيرهم. وخذ مثلا الخلاف الإسرائيلي الأميركي الأخير والتعامل الإعلامي معه من الطرفين، بينما في منطقتنا ننتظر لأيام لنتعرف على رد الفعل «الأولي»، هذا إذا أتى. يبادر الصحافي، أو الصحيفة، بالاتصال لمعرفة وجهة النظر فيأتي الرد: «ما ينفع على التليفون»!

بالطبع هناك نماذج عربية جيدة، مثل الداخلية السعودية في القضايا الأمنية، لكننا نعاني عموما من إشكالية «ما ينفع على التليفون» بشكل دائم. وتخيلوا لو أن كل صحافي اضطر إلى أن يسافر وراء كل خبر ليحصل على معلومة، أو إيضاح، فكيف سيكون حال الإعلام، بل وحجم التشويش، وخصوصا أننا في زمن سرعة تنقل المعلومة، التي تمثل مفتاح تشكيل الرأي العام ليقتنع بصواب نهج الدولة، أي دولة. فشح المعلومات يعزز الشائعات التي وقودها الغموض والأهمية، وخصوصا أن الشائعة هي الأسرع انتقالا مع وجود آلاف المواقع ذات الأهداف التحريضية. والمؤسف أن أيمن الظواهري يعي أهمية الإعلام بشكل كبير، حيث سبق أن قال إن نصف المعركة في الإعلام. وهذا صحيح تماما، بينما يتجاهل بعض الساسة هذا الأمر، لا سيما أن منطقتنا في معركة أفكار حقيقية.

سألت مسؤولا عربيا يدرك قيمة الإعلام، فقال: «المسؤول العربي همه إرضاء رئيسه المباشر، فإن تحدث فهو يقوم بالدعاية لرئيسه عبر الإعلام، وإن امتنع عن الحديث فلأنه يريد أن يظهر على أنه كاتم الأسرار الأمين. أما الغربي فينفتح على الإعلام، ويحاول استغلاله، لإقناع الرأي العام بصواب منهجه»، ومنهج رئيسه طبعا، مضيفا: «لولا تسريب المعلومات لصحيفة الـ(واشنطن بوست)، والـ(نيويورك تايمز)، لما عرفنا توجهات السياسة الأميركية في المنطقة».

الإشكالية، كما ذكرنا مرارا، أن الأهم من الخبر هو تفسيره، وضمان وصوله للمتلقي بلا تشويش، وهذا يتطلب تواصلا، وتفهما، للإعلام، على علاته. فنلاحظ في منطقتنا، مثلا، نفيا لمعلومات مغلوطة لا يأتي إلا بعد أربعة أيام، رغم سعي الإعلام للحصول على المعلومة وقت الحدث، ويكون الرد الجاهز «ما ينفع على التليفون». والإشكالية أن النفي، أو التصريح بعد أيام، لا يفيد، حيث لن يهتم به الإعلام، والمتلقي، بينما التفاعل في يوم الحدث يضمن إبرازه، وقت ذروة المتابعة.

والقصور تجاه التعامل مع الإعلام ليس محصورا على بعض الساسة العرب فقط، بل وبعض المسؤولين الاقتصاديين. فها هو مسؤول مالي كبير يحاضر، ويحاسب، لأن البنط المكتوب به عنوان خبره أصغر من عنوان تقرير يتحدث عن الأسواق المالية، بل إن المسؤول يملك الجرأة ليشكك بدوافع النشر والاهتمام، رغم أنه لا جديد في تصريحاته المكررة، بينما تقرير الأسواق المذكور يهم الملايين من مواطنيه. ولو أن صحافيا قام بالاتصال بمعاليه لحظة حدوث خبر عاجل يستدعي تعليقه لكان رده: «ما ينفع على التليفون»!

غاية الإعلام هي غاية المسؤول الحريص الذي يريد إيصال رسالته، وهذا يتحقق لمن يجيد التواصل، سريعا، مع الإعلام، وهو أمر يتطلب تفهما، ووضوح رؤية، لا إلقاء محاضرات.

[email protected]