خفوض في القناة

TT

قناة السويس ليست مجرد ممر بحري في مصر. إنها هرم مائي، وحقل قطن بحري. ومنذ أن أممت، وقامت من أجلها حرب دولية، أصبحت القناة نجمة في العلم المصري. لكن قبل شيء، هي مصدر دخل يمكن الدولة من دعم الخبز، وغيره من الضرورات. والمؤسف أن هذا الدخل يتناقص لأسباب كثيرة، آخرها خوف السفن التجارية من القرصنة في بحر الصومال. فهؤلاء الفقراء الذين قرروا الخروج على أساطيل الصيد الدولية، التي تلحق الضرر بثروتهم الوحيدة، بسبب حداثة سفنها، وتخلف مراكبهم، هؤلاء لا يدرون، أو لا يهمهم أن يدروا، أن المتضرر الأكبر من القرصنة هم بسطاء مصر.

تقول هيئة القناة إن 17.228 سفينة عبرت الممر البحري، البالغ 101 ميل، في العام الماضي، مقابل 21.415 عام 2008. والسبب الأول في الانخفاض هو الأزمة الاقتصادية العالمية، وهبوط أسعار النفط، إذ بسبب تدني الأسعار لم تعد كلفة الدوران حول أفريقيا لا تطاق، بالإضافة إلى أن السفن معفاة من رسوم عبور القناة، التي تقارب 250 ألف دولار عن كل سفينة، يضاف طبعا الخوف من القرصنة، ففي العام الماضي نجح القراصنة في خطف 20 سفينة في خليج عدن، وأخفقوا في مائة محاولة أخرى.

الانعكاسات الاقتصادية على مصر لا تعد. أولا، منطقة القناة نفسها تعاني من أزمة شديدة. والعام الماضي استخدمت الحكومة موارد القناة، البالغة 4.3 مليار دولار، في دعم الموارد الغذائية. ويشكل هذا الرقم نحو 3% من الدخل القومي، وأكثر من ضعفي المساعدات الأميركية. فإذا استمر الدخل في الانخفاض، فسوف تجد مصر نفسها في مواجهة أزمة جديدة، سببها ممر كان مبعث اعتزازها مرتين: الأولى في العدوان الثلاثي 1956، والثانية عندما عبرها الجنود المصريون في حرب 1973 لتحرير سيناء.

لا يعرف القراصنة الكثير من التاريخ. كان الفراعنة، قبل 4 آلاف عام، أول من أنشأ قناة تربط النيل بالبحر الأحمر. وظلت تعمل إلى أن ردمها الخليفة المنصور عام 767، ليقطع وصول الإمدادات إلى الدلتا. وطوال ألف عام، لم يكن هناك ممر يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، إلى أن أقام الدبلوماسي الفرنسي فردينان دوليسبس عام 1869، القناة الحالية عبر الصحراء.

ليس من حلول واضحة في المستقبل المنظور. عوامل كثيرة تتحالف ضد هذا الأثر البشري العظيم، الذي استخدمته مصر غالبا ضد أعدائها على حساب مداخيلها. آخرها هو آخر ما كان متوقعا: ظهور القرصنة من جديد في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.