حقا بريء

TT

ثمة خرافات جميلة يحزننا زوالها. لقد نشأت على الاعتقاد أن الثعلب حيوان خبيث، متسلل، محتال، وجبان. كل الكتب العربية وغيرها علمتنا ذلك. كل الرسوم المتحركة، كل حكايات السهرة، ولم أجد أحدا يدافع عنه. إنه مادة مضحكة، ولكن مع قليل من الخوف، والكثير الكثير من الحذرة فهو يؤتمن، على الرغم من مظهره الساكن، وعينيه الجميلتين الحائرتين. وهو لا يقرب البيوت إلا بعد التأكد من غياب أهلها. يعوي بعيدا، ويأكل العنب، ويهرب من الذئاب والكلاب، ولا يستقوي إلا على الدجاج والأرانب. وأعطي في العربية لقبا خاصا، هو أبو الحصين، من أجل أن يطلق اللقب على البشر من أشباهه. وقد استخدمه ابن المقفع بالطول وبالعرض. وكلما احتاج إلى حيوان ملعون نادى الثعلب.. تعال يا ثعلب، نحن في حاجة إليك في حكاية الأسد. وتعال، لا تهرب، فهناك دور لك في حكاية الفيل. ويأتي الثعلب صاغرا من دون اعتراض، فقد صارت النصال تتكسر على النصال.

دمرت مشاهداتي لقناة «ناشونال جيوغرافيك» حكايات الثعالب في ذاكرتي. إنه أتعس حيوانات الغابة. يعيش على بقايا ما يتركه النسور والأسود، ويدور النهار كله بحثا عن طعام لأولاده. وعندما تجوع يبكي، ويحتضنها مثل أم. تهرب منه الأرانب إلى أوكارها فلا يلحق بها، بل يستدير ويمشي. يحاور الغزلان، ولا يؤذيها، بل يغار عليها. وهو بقائي لكنه لا يعرف الخبث، أما تحايله فهو من القول إن الحاجة أم الاختراع.

وصرت كلما رأيت على القناة ثعلبا جائعا يمشي في البرية مثلما يمشي العاطلون عن العمل في المدن، أشعر بحزن حقيقي عليه. وعندما تعوي ثعالب الليل قرب بيتي في الجبل، أتمنى لو أنها أليفة، لأضع لها طعاما على المدخل أو في الحديقة. لكنني عندما أفيق في الصباح، لا أعود أسمع صوتها أو أراها، إلا نادرا، وعن بعد. وكلما رأيت ثعلبا، بدا لي أنه هائم وضعيف وقليل الأمل في أن يعثر على أي شيء. أحيانا يتصدق الناس على شريدي الأرصفة. وثمة أميركية سمراء ترتجف من البرد والفقر والملل على الجادة الخامسة. وكل مساء أنتظر موعد مجيئها لكي أقدم لها شيئا. ولو كانت للثعالب جادة لانتظرت موعدها مع التصدق.