صراع على الأزهر

TT

بعيد ساعات من وفاة شيخ الأزهر تم تعيين الدكتور أحمد الطيب، ولأنه عضو في الحزب الوطني الحاكم انتقد البعض التعيين. قالوا إنه لا يجوز تكليف عضو في حزب، مهما بلغ من العلم والتدين، راعيا لأكبر دار دينية في مصر، ومن أكبر مؤسسات الإسلام في العالم كله.

الأمر لم يتغير كثيرا، فالأزهر، المؤسسة الدينية بجامعها وجامعتها وعلمائها وأوقافها، دائما كان محل صراع الحكام ورجال الدين والغزاة والأفكار. ويدور اليوم صراع هائل داخل الإسلام بين جماعات معتدلة، وأخرى محافظة، وثالثة متطرفة. صراع على السلطة يستعان فيه برجال الدين، وصراع يقوده رجال الدين من أجل السلطة، وهكذا. ومصر ساحة أساسية تدور فيها المعارك الفكرية والحزبية والإعلامية والشخصية. لذا، ليس مستغربا أن تختار الدولة عضوا في حزب الحكومة وتكلفه بإدارة المنبر الأول في القاهرة. فقد كانت تجربة شيخ الأزهر الراحل سيد طنطاوي قاسية، حيث إن الرجل، رغم علمه وعمره ورقي تعامله، لم يسلم من الأذى من رجال دين معارضين استهدفوه بالإساءة والإهانة بلا رحمة، في حملة موجهة ضد الأزهر الرسمي ومشيخته.

والصراع على الأزهر يلخص تاريخ مصر الإسلامي كله، لا تاريخ اليوم فقط. فالفاطميون بنوا الأزهر منارة سياسية لهم. وبعد أن فتح صلاح الدين الأقصى في القدس قام بإغلاق الأزهر لإيقاف المد الفاطمي الشيعي. واستمر العراك على كرسي مشيخة الأزهر بين الخلفاء على اختلاف دولهم. وفي خلافة العثمانيين حاول الأزهريون منعهم من تتريك المجتمع الديني المصري. وتجنب إمبراطور فرنسا الصدام مع الأزهريين، حيث إنه قبل أن يعبر نابليون بونابرت النيل ويدخل بخيوله الأزهر عقد صفقة مع شيوخه سلمهم بموجبها حكم القاهرة. كما أن جمال عبد الناصر بعد ثورة الضباط الأحرار استعان بالأزهر لتأييده في خلع الرئيس محمد نجيب وتعيين نفسه قائدا لمصر. ثم ما إن أنجز المهمة حتى همش الأزهريين، وبدل الأنظمة الدينية بمدنية، وغيب المؤسسة الدينية تماما عن الواجهة إلى أن خلفه أنور السادات الذي ظن أنه يستطيع التحالف معهم ضد بقية رفاقه الناصريين، لكنه دفع الثمن غاليا.

اليوم تعود الحاجة إلى الأزهر في مصر أكثر من أي وقت مضى بعد أن تغلغل التطرف في الجامعات والمساجد والشارع الشعبي، بسبب ضعف الأزهر الذي عرف دائما بأنه منارة الوسطية. وهذا ما التقطه كثيرون عندما قال شيخ الأزهر الجديد إنه سيعمل على دعم الإسلام المعتدل. ففي العالم الإسلامي، بما في ذلك الأحياء الأوروبية التي يكتظ بسكانها مسلمون، واقعة تحت تأثير إسلام الغلو. وهذا التطرف، عدا أنه أفسد النسيج المصري في السنوات الثلاثين الماضية، أيضا وصل مده إلى دول بعيدة عرفت دائما بالإسلام المتسامح المعتدل مثل باكستان والهند وإندونيسيا وماليزيا. الدكتور أحمد الطيب وعد بأن يخلع البذلة ويلبس الجلباب ويطيل لحيته انسجاما مع تقاليد الأزهر، لكنه تعهد برعاية الإسلام المعتدل، وهو يحمل على كتفه تجربة مهمة. فالشيخ درس في جامعات دينية في السعودية وقطر والإمارات وفرنسا واختلط بفئات مختلفة من المسلمين وغيرهم، وعرف عن تجربة إشكالات الاختلاف المعقدة بين المذاهب والطوائف والأديان. وأمامه اليوم فرصة في بناء مشروع للإسلام المعتدل المتسامح، من أجل إنقاذ المسلمين من الاضطهاد الظلامي.

[email protected]