أحمد الطيب.. بالتوفيق

TT

فقد العالم الإسلامي بوفاة شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي عالما جليلا، واثقا من علمه وراغبا في الصلاح العام لأمته، ومع الحزن الذي أصاب الكثيرين بفقدانه كان يشغلهم همّ من سيملأ «المنصب الإسلامي الأهم» في العالم الإسلامي. وذلك نظرا لما يشكله الأزهر من ثقل معنوي فريد، ورمزية عملية للوسطية والتسامح والانفتاح على الأمم والعالم، وواجهة ذات إرث مشرق بالنسبة للخطاب الإسلامي الوسطي والمتوازن.

وكم كانت مفاجأة سارة ومبهجة حينما تم الإعلان عن اختيار الدكتور أحمد الطيب شيخا للأزهر. شخصيا لو كانت لي الفرصة أن أصنف المشايخ المعاصرين اليوم في أهمية خطابهم وعمق وحكمة ما يقولون لاحتل أحمد الطيب عندي المكانة الأولى بلا منازع. أتابع مسيرة هذا الرجل بإعجاب شديد منذ سنوات، وأرى في طرحه وشرحه وتفسيره وفتاواه التطبيق العملي لروح الإسلام السامية والمعاني النبيلة المنشودة، وهو «يعيش» فتاواه بعيدا عن أن يكون ما يطرحه ويقوله في واد وما يمارسه في واد آخر.

وهو رجل قليل الكلام، يزن كلامه بتأن شديد، معتدل جدا في توجهاته وصاحب فكر تنويري بامتياز، واجه المواقف والفتاوى المتطرفة بشجاعة وسعة صدر وعلم غزير. وله مواقف مهمة في الحوارات مع الثقافات والأديان، فهو رافض لفكرة تسييس الدين، وبالتالي له تحفظات شديدة جدا على توجهات جماعة الإخوان المسلمين وعلى تنظيم القاعدة ومن شابههما. وأدرك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) أن الخطاب الإسلامي بحاجة إلى مراجعة جادة وعاجلة.

تخصص الطيب في علم العقيدة، وهو من أقوى من يجادل ويناقش في أدق المسائل خطورة في الخطاب الإسلامي البيني، الذي كان دوما منصة جاهزة لتكفير وتفسيق الغير في حال المخالفة لبعض المسائل الفقهية والفكرية، وبالتالي فهو حجة قوية في هذه المسألة الشائكة، ومساحة إحسان الظن في الغير عنده واسعة، وحكمه على الآخر متأن وحكيم. ولعل دراسته في فرنسا واحتكاكه بالغرب جعلا إيمانه يترسخ بأهمية وصورة الحوار مع الآخر، وعدم الخوف من الإقدام على تلك الخطوة. ويذكر عنه موقف شهير حدث له مع أسقف كانتربري راعي الكنيسة الانجليكانية وقال فيه: «إن الاختلاف بين البشر في المعتقدات الدينية والفكرية أو اللغوية والعاطفية هو أساس عقيدة القرآن، والله سبحانه وتعالى يقول إنه خلق الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا»، وذلك في محاولة منه لتعزيز الإيمان بالحوار المثمر والفعال.

ساعدته ثقافته الواسعة واطلاعه على آراء وفلسفات الغرب والمستشرقين في القدرة على مقارعة الحجج بشكل مباشر وجريء وواثق، مما منح مواقفه ثقلا فريدا وبالتالي ميزة خاصة. وبعدها انتقل إلى رئاسة جامعة الأزهر وأحدث تطورات بالغة الأهمية في المناهج وفي البنية التحتية بالجامعة، وواجه «ميليشيات الطلبة» التي كانت ترعاها جماعة الإخوان المسلمين وقامت بعمليات استعراض استفزازية نالت السخط ونقد الكثيرين. واستمر في تقديم الآراء والفتاوى في ظهوره المقنن والمحسوب على شاشة التلفزيون، وفي بعض الإطلالات الصحافية.

أحمد الطيب، الذي كان في غاية الراحة وهو ينتقل بين الجبة والعمامة الأزهرية والبدلة الغربية، لإيمانه بأن المضمون أهم من المظهر، يأتي لمنصب شيخ الأزهر وهو محمل بإرث هائل من النجاحات الشخصية ليضيف للمنصب، كما سيكون المنصب إضافة له، ومع توقعات بالغة الدلالة بأنه سيكون أحد أهم الشخصيات التي سيذكرها التاريخ في مشيخة الأزهر. ومن الآن يشبهونه بعبد الحليم محمود الجديد، في مقارنة مع شيخ الأزهر الأشهر الذي توفي في الثمانينات من القرن الميلادي الماضي.

أحمد الطيب شيخا للأزهر.. بشرى للمسلمين.. نسأل الله أن يوفقه.

[email protected]