الإسلاميون على خطى الشيوعيين!

TT

قبل خمسين عاما كان الحزب الشيوعي أحد أقوى حزبين عراقيين، وخسر المجابهة مع حزب البعث والقوى القومية العربية الأخرى إلى درجة جعلت وجوده متواضعا. وفي ما بعد تغيير النظام وجد الحزب نفسه كسائر القوى العلمانية ضائعا وسط هيجان طائفي، فالتحق بـ«القائمة العراقية» فضلا عن علاقاته المميزة مع التحالف الكردستاني، فوصل إلى البرلمان بمقعدين. ثم ما لبث أن اتخذ موقفا منفصلا عن «العراقية». وفي هذه المرة جرب الحزب دخول الانتخابات بهويته الخاصة، استنادا إلى فرضية بقاء قسم من قواعده الواسعة مطلع ستينات القرن الماضي، فيما تشير الدلائل إلى تراجع حظوظه في دخول البرلمان، مما يضع علامة شك كبيرة على مستقبله السياسي.

ولا غرابة في تراجع الحزب الشيوعي، لأن المرحلة تجاوزت المسمى الشيوعي، ومع أن المسمى الإسلامي «السياسي» لا يزال بريقه عاليا، فقد سار الحزب الإسلامي على خطى الشيوعيين باستقلاله عن الحاضنة الأم والتمسك بحاضنة «التوافق» المتآكلة، التي خرجت منها الشخصيات المؤثرة، وخرج منها المشاكسون السياسيون الذين يعد وجودهم ضروريا في التفاعل مع مشاعر الناس، بسبب الاحتقان السياسي الذي رسّخه نهج المالكي.

الحزب الإسلامي يمثل خط الاعتدال، والمرحلة الوحيدة التي خرج فيها عن هذا الاتجاه كانت بوجود السيد طارق الهاشمي، الذي تبنى نهج التصادم السياسي الفعال، وهو نهج كان ضروريا لمجابهة غلو أطراف السلطة، وبخروجه من الحزب ومن لحق به، وبعضهم من المشاكسين السياسيين، ظهرت حالة الضعف على تركيبة الحزب وجبهة التوافق. ولم تبق روح المشاكسة إلا لدى فرد واحد لم يوفق بها، حيث بدأ باستهداف البعثيين بطريقة تثير الشكوك عن الارتباط، ووصلت إلى حد مطالبته بمحاكمة حزب البعث، كأن الآخرين قصروا في محاكمة البعثيين وظلم سوادهم الأعظم!

عندما تتعرض شريحة لظلم التهميش والإقصاء والتهم الكيدية والحرمان من الحقوق، فإنها لا تفهم لغة المهادنة والاعتدال، «والحديث هنا عن الوسائل الإعلامية والسياسة وليس العنف»، بل تفهم لغة الحزم في المواقف، ولم يكن الحزب الإسلامي مستعدا لاتخاذ موقف متصد للمتطرفين؛ بدءا من النفوذ الإيراني وانتهاء بالأطراف العراقية التي تقاطعت سلبا مع الشريحة التي ينتمي إليها. لذلك، بدأ مقياس التراجع يدور بسرعة متزايدة غير قابلة للعلاج.

والآن، وبعد اعتراف الحزب الإسلامي بأنه الخاسر الأكبر من الانتخابات، فلا بد من مراجعة شاملة وسريعة لمواقف توصله إلى حقيقة التوجه السياسي لشريحته الأم، التي لم تلتزم بمرجعية دينية. فالمرجعية الوحيدة التي ظهرت هي فقط «هيئة علماء المسلمين» وقد اتخذت خطا معارضا معلوما.

مشكلة التعامل بين الحزب الإسلامي والقائمة العراقية بزعامة علاوي تكمن في عدم وجود مجال لإدخال تنظيمات دينية تحت مسمياتها، لكن هذا لا يمنع من التنسيق المباشر والعمل لوضع أصوات الحزب في موقع التأييد لـ«العراقية» كمرحلة أولى، خدمة لمصلحة كبيرة تتعلق بمستقبل العراق.

وقد لا يكون مناسبا القول إن الأحزاب الدينية السنية قد سجلت بدايات نهايتها في العراق، وذلك لتفويت الفرصة على المتمسكين بالسلطة لتجميع أصوات تعزز موقفهم، بعد الفشل الذي أصابهم من عدم تقديم الذين دخلوا معهم من شريحة أخرى أي إضافة تستحق الذكر. لكن الواقع يشير إلى أن الأحزاب الدينية السنية تتجه على خطى الشيوعيين؛ فالوضع العراقي بحاجة إلى أحزاب مواقف غير تقليدية. والحل هنا قد يكون على شاكلة القرار الذي اتخذه السيد الهاشمي، فالمبادرة أفضل من الضياع حتى لو كان بطيئا.

مني الحزب الإسلامي بنكسات تجاوزها على مضض؛ فعدد من الذين وقع عليهم الاختيار لشغل مناصب وزارية تخلوا عنه، عندما قرر كجزء من جبهة التوافق الانسحاب من الحكومة، وتركوا الحزب وبقوا في مواقعهم. كما فقد الحزب تأثيره على أئمة المساجد باتخاذ رئيس الوقف السني المحسوب على الحزب منحى آخر. وهذا يدل على غياب الوازع العقائدي لبعض المنتمين.

الحزبان؛ الإسلامي والشيوعي، لم يكن لي تقاطع سلبي معهما، بل تربطني بالعديد من شخصياتهما علاقات وثيقة، وما ذكرته ليس إلا جزءا من تقييم محايد لما يجري على الساحة العراقية. مع تمنياتي لـ«الإسلامي» بتفادي الدخول في أي تحالف يسعى لإبقاء المالكي في الحكم، لأن خطأ المشاركة لن تساويه المناصب نظرا لحساسية المرحلة.

أما تآكل الأحزاب الدينية الشيعية، فقد شمل العديد من الشخصيات السياسية التي ظهرت بعد 2003. فما نشر عن أرقام قليلة جدا حصل عليها مرشحون من فريق الحكم الدعوي يثبت أنهم ليسوا موضع اهتمام الناس، لكن اتجاهات التصويت بقيت محصورة بالطائفة. وهذا سيبقى مستمرا إلى أن تأتي حكومة ليبرالية تغير بسياستها ومنجزاتها انطباعات الناس وسلوك البسطاء بقناعتهم وليس بالإكراه.