التفاوض سرا

TT

بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، يقول إنه ليس مستعدا أن يضحي بمنصبه فيوقف كل الاستيطان خشية أن يسقطه حلفاؤه المتطرفون في الحكومة. محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، هو الآخر يخشى أن يقبل بالتفاوض في ظل الاستيطان ليهاجمه خصومه في حماس وغيرها.

فإذا كان نتنياهو ضعيفا، وأبو مازن خائفا، فإن المنطق يقتضي ألا تكون هناك مفاوضات أو أن تجري طي الكتمان. وهي قابلة للنجاح لأن الطرفين مقتنعان بالتفاوض من أجل حل نهائي تعلن في نهايته دولة فلسطينية مستقلة. وهذا يعيدنا إلى تاريخ بدايات مفاوضات أوسلو، حيث اتخذ الإسرائيليون والفلسطينيون هذه المدينة النرويجية محطة لقاء خفية بعيدا عن أعين وألسن النقاد، حتى أصبحت الطبخة جاهزة. ومن أجل إقامة الدولة الفلسطينية وسلام حقيقي لا يمكن إلا أن تتم بعيدا عن أعين الإعلاميين، ويسافر المتفاوضون إلى جزيرة بعيدة حتى الورقة الأخيرة. فإن نجحوا واتفقوا يستطيع نتنياهو حينها أن يغامر بالإعلان عنها وبأقل الخسائر الممكنة مع حزبه. كما أنه سيكون بمقدور أبو مازن أن يجري استفتاء شعبيا فلسطينيا، وهنا تنتهي مهمته فيقبل بما يقرره مواطنوه.

المفاوضات العلنية، كما ثبت من المحاولات القديمة والمحاولة الأخيرة، تحفز الخصوم على تحديها وإثارة المشاعر وتهديد المشاركين فيها. ففي إسرائيل، ما إن بدأت محاولات الرئيس أوباما لدفع الأمور نحو مفاوضات نهائية حاسمة، حتى هبت الجماعات اليهودية المتطرفة تتسابق على بناء المستوطنات من أجل تخريب المفاوضات. كما أن حماس وإيران ومن معهما سارعا بشن حملة تخوينية ضد أبو مازن، وتحريك قوى على الأرض بإطلاق الصواريخ ومظاهرات في القدس من أجل محاصرة أبو مازن، فلا يفاوض العدو الإسرائيلي. وهذا ما أفشل مفاوضات طابا في عام 2000 عندما شنت حملة عنف هائلة في القدس وحتى داخل إسرائيل بتفجيرات وعمليات انتحارية وهجوم على الحافلات. اضطرت ياسر عرفات، الرئيس الفلسطيني الراحل، أن يتراجع، وباراك إلى الاستقالة. التاريخ يعيد نفسه لأن هذه القوى لها مطالبها، فحماس تريد أن تقود المفاوضات وتعطي طروحات ملتوية مثل هدنة أربعين عاما بدل أن تسميها اتفاق سلام. وسورية تريد مفاوضات بشروطها، وإيران لها حساباتها الخاصة ببرنامجها النووي ومنح وكلائها مثل حزب الله نفوذا أكبر على الأرض.

وكلنا نعرف أنه من المستحيل إرضاء كل الأطراف بسبب تباعد أهدافها، وفي الوقت نفسه لا يعقل ترك حلم إقامة الدولة الفلسطينية يفشل فقط خشية إغضاب حماس أو شاس أو غيرهما. ولأن عقد المفاوضات علانية يعني حربا جديدة، وحرائق في أماكن متعددة، ولأن نتنياهو لا يملك شعبية كافية داخل إسرائيل تمنحه حكما قويا، وأبو مازن، هو الآخر، ليس بصاحب الشخصية القوية، فإن اللجوء إلى التفاوض سرا لعامين خير وسيلة لتنفيذ مشروع أوباما بتحقيق دولتين وسلام دائم. نصيحتي «اقضوا حوائجكم بالكتمان».

[email protected]