نيتنياهو ربح جولة ولم يكسب المعركة

TT

الأدبيات السياسية للقضية الفلسطينية باتت تقليدية ومملّة، إلى درجة لم تعد مقروءة لدى قارئ السياسة العربي. مع ذلك، أجد من الشجاعة الأدبية ما يكفي لتناول الموضوع الفلسطيني مرة أسبوعية ثانية، في غضون ثلاثة أسابيع.

السبب هو التطور الهائل في الموقف العالمي الرسمي والشعبي، إزاء القضية وضد إسرائيل التي باتت معزولة ومُدانة. السؤال الآن عما إذا كان العرب يعرفون كيف ينتهزون مواجهة العالم لإسرائيل بالحقيقة. انعقاد القمة العربية، بعد أيام قليلة، مناسبة نادرة للقادة العرب لخدمة قضيتهم القومية الأولى، بإسماع جمهور عالمي أوسع ملخصا مكثفا يبلور الموقف العربي.

كعربي، أخشى أن تحول مفاجآت قذافية متوقَّعة، دون حضور بعض القادة العرب. مع ذلك، الأمل كبير في بلورة موقف سياسي موحد في طرابلس، بعيد عن التشنج والمزايدة، بإعادة التأكيد على المبادرة السعودية التي تبنتها القمم السابقة، ويمكن تلخيصها بمقايضة السلم بالأرض.

في هذا الظرف الدولي المناسب، يتعين على الكتلة الخليجية في القمة تصعيد موقفها القومي في محاذاة الموقف السعودي. لا مزايدة عليه. ولا تأخر عنه. لا تطبيع مع إسرائيل قبل الحل. لا فتح لمكاتب قنصلية أو تجارية. لا استقبال لأفراد، بعد فضيحة «المدبوح» المخابراتية التي كشفتها إمارة دبي بشجاعة كبيرة. لا مساعدات لحماس قبل تحقيق المصالحة الفلسطينية. لا يمكن قيام دولتين فلسطينيتين. واحدة في الضفة. والأخرى في غزة.

نعم، نحن بحاجة إلى السياسة والديبلوماسية في ساعة الحقيقة. كعربي، أملي أن تغيب صواريخ التنك والمزايدات الإيرانية والحماسية عن أجواء القمة، فيما العالم يبدو متجها نحو فرض الدولة الفلسطينية.

يكفي النضال السياسي. تكفي الوقفة الفلسطينية الشجاعة في القدس والضفة وأمام جدار الفصل، ضد التهويد والاستيطان، ولإحباط هجمة المستوطنين الهمجية لسرقة الأرض. لتجريف الحقل. لاغتيال شجرة الزيتون، بحماية القوات الإسرائيلية، في وقت ينشد العالم حماية البيئة بالخضرة.

لعل أول واجب سياسي للقمة هو سؤال القادة العرب أميركا وأوروبا واللجنة الرباعية، عن كيفية إلزام إسرائيل بالقبول بقيام الدولة الفلسطينية. إنذار اللجنة المنعقدة في موسكو لإسرائيل واضح وصريح: دولة خلال عامين. وقف التهويد والاستيطان كليا في القدس والضفة، بما في ذلك «النمو الطبيعي لتلبية حاجة الإسكان». تفكيك المستوطنات العشوائية. وقف هدم البيوت العربية. منع التوغل الاستيطاني في الأحياء العربية المقدسية.

إسرائيل بادرت فورا إلى رفض الإنذار الدولي المدعوم أميركيا. من حق القادة العرب أن يسألوا السيدة هيلاري كيف توفق بين وصفها أجوبة نيتنياهو على الأسئلة الأميركية بـ«المفيدة والمثمرة»، في حين يعلن ندّها الإسرائيلي أفيغدر ليبرمان رفض وقف الاستيطان؟ ماذا يعني تهديد اللجنة الرباعية باللجوء إلى «خطوات إضافية». هل يعني ذلك إنزال قوات دولية؟ هل يعني مسّ إرادة أوباما «مقدسات» الحلف المشترك، من وقف للمنح والهبات (منها مليارا دولار أسلحة إسرائيل سنويا)، وعرقلة حصول إسرائيل على قروض بمليارات الدولارات من المصارف الأميركية، مضمونة من الحكومة الفيدرالية، بحجة تطوير الاقتصاد، ومعظمها ذهب ويذهب لتمويل مشاريع الاستيطان والتهويد؟

أوروبا أجّلت مفاوضات «الشريك الاقتصادي» مع إسرائيل. لكن ليبرمان ما زال قادرا على فرض لقاءاته على كبار المسؤولين في بروكسل. كان على الجهاديين والحماسيين عدم إهانة كاترين آشتون وزيرة خارجية أوروبا، باستقبالها بالألعاب الصاروخية في غزة.

كان الواجب الوطني والديني إتاحة المجال أمام القمة والدبلوماسية العربية لإقناع أوروبا بالضغط على إسرائيل. ما زلت أردد بأن أوروبا العاجزة سياسيا قادرة على فرض حل، بالتضييق على إسرائيل اقتصاديا.

الحمام الدبلوماسي ساخن ومحموم: قمة عربية في ليبيا. اللجنة الرباعية في موسكو. بان كيمون في غزة. جورج ميتشل يعود إلى الضفة. نيتنياهو في واشنطن لمواصلة المعركة ضد إدارة أوباما، بشحذ هِمّة اللوبي «إيباك» وبقايا المحافظين الجدد. عباس يريد بدء التفاوض بقضية تحديد الحدود. يعني البدء بقضية الاستيطان. ماذا تأخذ إسرائيل من الضفة. ماذا تترك. كيف يتم تبادل الأراضي. وأين؟ أوليات إسرائيل التفاوضية مختلفة. إسرائيل تريد تحييد الوسيط الأميركي. تريد العودة إلى المفاوضات المباشرة. تريد العودة إلى التسويف والمماطلة، ريثما يستكمل التهويد والاستيطان سرقة الأرض المفروض أن تقاوم الدولة الفلسطينية عليها.

حتى مساء الأحد الفائت، لا أميركا، ولا إسرائيل أعلنتا عن مضمون إجابات نيتنياهو عن الأسئلة الأميركية. أميركا تستعجل بدء المفاوضات، قبل انهيار الوضع الأمني في القدس والضفة، ولقطع الطريق على إيران وحماس لاستغلال الأزمة الأمريكية/ الإسرائيلية. القمة العربية تستطيع أن تسأل أميركا كيف يمكن استئناف المفاوضات، قبل أن يعلن الوسيط الأميركي اقتناعه، أو عدم اقتناعه، بجدية الحكومة الإسرائيلية في مفاوضات مفروض أن تنتهي بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة بكرامة وسيادة؟

والآن، لماذا وصلت إسرائيل إلى مستوى تفضيل قضم الأرض على تحقيق السلم؟ لأن إسرائيل، بفضل أميركا والغرب، باتت متفوقة عسكريا وتقنيا على العرب جميعا. إسرائيل تجد نفسها آمنة وراء جدار الفصل العنصري. إسرائيل اليوم هي غيتو يهود أوروبا القرون الوسطى. دولة عنصرية كارهة لجيرانها. منفصلة عن بيئة المنطقة. ليست بحاجة إلى سلم يفتحها أمام اختراق الأكثرية العربية لها.

برقع الديمقراطية التي تعلل بها يهود الأشكيناز (اليهود الغربيون) يتوارى شيئا فشيئا أمام زحف يهود السفارديم (اليهود الشرقيين) إلى السلطة والجيش ونهب الأرض. هؤلاء لا يعرفون شيئا عن السياسة الدولية. لا يدركون أن جوزف بايدن نائب أوباما الذي أهانوه هو من أكبر أنصار إسرائيل في أميركا.

حزب شاس هو الحربة السياسية والدينية للمستوطنين. حزب يضم اليهود الآتين من البلدان العربية. ما زال الكبار منهم يسمعون فريد وأم كلثوم. يصيّفون في البلدان الآتين منها. بل بعضهم ما زال يحمل جنسيتها. يعودون من المصيف العربي إلى إسرائيل للدخول في سباق مع الزمن للاستيطان والتهويد. لعل الفرصة، في حسبانهم، ستتاح يوما لطرد عرب الضفة والجليل إلى الأردن والعالم العربي.

الديمقراطية الزائفة تسمح لزعيم شاس إيلي يشاي الذي يدور حوله جدل، بأن يصبح وزيرا للداخلية في حكومة نيتنياهو. وهو الذي يخطط للتهويد وللاستيطان! وزراء الحكومة يتبادلون توزيع أدوار وموسيقى أوركسترا الرفض. نيتنياهو يعتذر. لكن لا يرفض الاستيطان. ليبرمان ويشاي يرفضان. لكن لا يعتذران.

كسب نيتنياهو جولة من إدارة أوباما. تراجع أوباما متعللا بعجز أميركا عن وقف الاستيطان. لكن نيتنياهو لم يكسب المعركة بعد. صمتت أميركا على إهانة بايدن. ساد الصمت يومين. ثم فجأة ارتفع الاحتجاج إلى مرتبة الصخب المدوي. وإلى التهديد بالتدويل عبر اللجنة الرباعية. ماذا حدث؟! آه. تدخل اللوبي الأقوى. تحرك اللوبي العسكري. ذهب رئيس الأركان المشتركة الأميرال مايكل مولين لإسرائيل. ليقول لا لقصف إيران الآن. وقف كبير قادة أميركا في الشرق الأوسط الجنرال ديفيد باتريوس ليوبِّخ «لوبي» إسرائيل واليهود في الكونغرس. جنود أميركا يموتون في العراق وأفغانستان، لأن إسرائيل لا تكترث بمراعاة مصالح أميركا في المنطقة.