ضحك وتفكير!

TT

من قال إن السعوديين لا يضحكون؟ هراء وكلام سخيف جدا! السعوديون يضحكون على طرائف غيرهم ويسخرون من أنفسهم كغيرهم من الشعوب، وأفرزوا نجوما في الكوميديا نجحوا في الانتشار عربيا. تفاوتوا ما بين الكوميديا القوية النافذة المقدمة من ناصر القصبي وعبد الله السدحان ويوسف الجراح، أو الهزلي المقدم من فايز المالكي وفهد الحيان وبشير الغنيم وغيرهم طبعا. ويشهد على الحراك الكوميدي عشرات الآلاف من رسائل الهاتف الجوال القصيرة المتناقلة والمليئة بالطرائف والنكات.

السعوديون باختصار يضحكون! واليوم يضحك السعوديون على رأي أطلقه أكاديمي سعودي سابق بإحدى جامعاتهم واسمه يوسف الأحمد يطالب فيه بهدم الحرم المكي لمنع الاختلاط فيه! نعم هم يضحكون على هذا الرأي على الرغم من فظاظته وغلظته ومحاولة صاحبه شرحه وتبريره، إلا أنهم تعاملوا مع المسألة المثارة على أنها مادة كوميدية ليس أكثر ولا يمكن أخذها بمأخذ الجد الأكاديمي أو منحها الجدارة الشرعية ولا المكانة العلمية، تماما مثل الرأي الآخر الذي أثير منذ أسابيع وطالب فيه القائل بقتل من يبيح الاختلاط في أماكن التعليم والعمل، وهي مسألة أيضا لا يمكن إلا اعتبارها نوعا من الكوميديا السوداء (الاختلاط في العمل والتعليم) لماذا استثني هذان المجالان؟ ولماذا لا يتم منع الاختلاط في البيوت والأسواق والسيارات والمستشفيات والمطارات والطائرات وغيرها؟ ولكن كما ذكرت هي نوع من الدعاية المتطورة مثلها مثل الكوميديا التعبيرية والكوميديا السوداء، مليئة بالرمزية العالية، لا يفهمها إلا السعوديون أنفسهم. وبينما تحاول هذه الآراء «المتحشرجة» الوصول لفضاء المكانة الجادة، كانت السعودية تقوم بتقديم مناسبة ثقافية مهمة للعالم في قلب عاصمة البلاد الرياض، وهي فعاليات مهرجان الجنادرية في سنته الخامسة والعشرين، وتناقش فيها مواضيع بالغة الدلالة والأهمية، وتدعو ضيوفا من شتى المشارب ومن مشارق الأرض ومغاربها، بل وتقوم بخطوة في منتهى الرمزية وهي عقد ندوة عن السلفية تحاول فيها تعريفها وتصور مراحلها واستشعار مستقبلها في طرح جريء غير مسبوق شارك فيه أعضاء من هيئة كبار العلماء وأكاديميون ودعاة وغير ذلك، وقاموا بتقديم أفكارهم وآرائهم بأسلوب لم يكن من الممكن تصوره في الماضي، مؤكدا وبجدارة أن السعودية تدخل مرحلة جديدة فيها مراجعة لبعض الأفكار وتصحيح لبعض المفاهيم، وتضع على طاولة البحث والحوار ما لم يكن من الممكن طرحه في الماضي القريب. نعم السعوديون يضحكون ولكنهم أيضا يفكرون وبجرأة غير مسبوقة، وسيحصد نتاجَ هذا التطور اللافت جيلٌ بأكمله لو أمكن استثماره بجرأة وبانفتاح كامل دون الخوف من الأصوات المضحكة!

[email protected]