الويل من الطرب

TT

الطرب كلمة عربية لا مرادف لها في اللغات الأوروبية. كلمة إكستسي بالإنجليزية والفرنسية والألمانية تعني الابتهاج الشديد، ولكنها لا ترتبط بالغناء أو الموسيقى كما ترتبط عاطفة الطرب عندنا. وفيها يكاد يفقد الشخص صوابه وسيطرته على نفسه. يتذكر أكثرنا ما كان يفعله البعض عند الاستماع لأم كلثوم، بحيث يمزقون ثيابهم ويضربون على رؤوسهم ويرمون بطرابيشهم وعقالهم إلى السماء. لا أدري لماذا ننفعل بهذا الشكل عند الطرب. الحقيقة أنني أصبحت أتحاشى سماع نجوم الطرب العربي المعاصر، عبد الوهاب وأم كلثوم والغزالي ونحوهم لأن أغانيهم كثيرا ما تثيرني إلى حد خطير ربما يودي بي إلى جلطة أو سكتة مثلا.

يضم كتاب الأغاني أمثلة عجيبة من حكايات الطرب، ومنها ما جرى في مكة المكرمة عندما تمادى بعض المغنين في الغناء في الحرم مما اضطر أمير مكة إلى نفيهم عن المدينة فتجمعوا على جبل أبي قبيس. فنشأ معبد، وكان من نجوم الطرب عندئذ، يغني بينهم لحنا من ألحانه. فتأوه أهل مكة وأنوا واضطربوا. ثم تلاه الغريض بلحن آخر. فارتفع البكاء والنحيب. واندفع ابن سريح ينطلق بالغناء فارتفع الصراخ. ما انتهت الجلسة حتى وفد القوم على الأمير يستعفونه من نفيهم ولم يجد بدا غير الاستجابة لما طلبوا.

ومن طرائف الأصفهاني ما رواه عن قاضي مكة، الأوقص المخزومي، الذي كان رجلا فاضلا اشتهر بالعفاف والنبل. ولهذا، كما أعتقد، استشهدوا به. قالوا إنه كان نائما في غرفته عندما أفاقه غناء رجل سكران في الطريق. كان يغني: «عوجي علينا ربة الهودج»، فنهض القاضي من فراشه ونادى عليه: «يا هذا شربت حراما، وأيقظت نياما وغنيت خطأ. اسمع وخذه عني..»، ثم بدأ حضرة القاضي يغني له ذلك البيت على الوجه الصحيح بعد أن كان الرجل السكران قد غناه بنشاز في اللحن. وهي لعمري قصة عجيبة تدل على مدى اهتمام السلف بالطرب والغناء والموسيقى. فهذا القاضي الفاضل النبيل لم يلتفت إلى جريمة الرجل بتعاطي الخمر إلى حد السكر، ولا بقيامه بضوضاء عكرت النوم على الناس واضطربت الأمن والسكون في المدينة. كان المهم عنده أنه إذا غنى مطرب لحنا فيجب أن يضبط مقامه!

قولوا يا سادة هذه الحكاية لكل المشرفين على الفضائيات العربية في برامجها الغنائية..