على طريق البحث عن حلول لقضية الصراع العربي الاسرائيلي وازالة الغبن والظلم عن الفلسطينيين، ينصب الكثير من الجهد العربي في خانة اقناع الغرب بالضغط على اسرائيل حتى تلين للسلام... فماذا يعني ذلك؟ هل هو عجز عربي عن استعادة الحق المسلوب، ام حجم كبير من الصداقة العربية الغربية تسمح بذلك الطلب، ام اتكالية عربية على الغير لحل المشاكل، ام هو اقرار عربي بأن الغرب هو ابو وام اسرائيل القادر على ردعها؟ اسئلة كثيرة تجر غيرها من التساؤلات، ولهذا قد يفيد التمحيص في العلاقة العربية الغربية (بايجاز شديد) عبر التاريخ حتى نصل الى فرضيات حول رؤية الغرب للعرب، الامر الذي قد يساعدنا على استكشاف الاجابات ووضع بعض الصيغ العملية لتصحيح وتحسين المسار عبر اليات العصر الحديث، خصوصاً ان القرار السياسي الغربي بالضغط على اسرائيل من عدمه او تحديد حجم الضغط يرتبط مباشرة هذه الايام بموقف الرأي العام المتغذي اساساً من محطات التلفزيون والاعلام المتعدد.
كان التلاقح السلبي والايجابي بين الشرق والغرب قد بدأ منذ مئات القرون وتشكلت رؤية شعوب كل طرف للطرف الاخر ضمن عوامل الاتصال البطيئة والقائمة على المشاهدة والنقل المبالغ فيه خلال عصور ابعد ما تكون عن عالم اليوم عملياتياً، ولكنه، ويا للغرابة، اعتمد كما الان على الاحكام المسبقة. من الصعب ان تحدد بداية للرواية التاريخية، فاذا قلنا ان العلاقة بدأت جلية منذ احتلال الرومان لكل محيط البحر المتوسط وذلك قبل قرون من ميلاد المسيح، فكيف نقيم تلك العملية؟ من واقع بدايتها كاحتلال عسكري، او تسلم بعض السوريين لمنصب الامبراطور مراراً لكل الامبراطورية، او عبر ما شيدته ولانزال نراه، او ما هدمته من ممالك مثل تدمر وقبلها البتراء؟ بالطبع يمكن ايضاً ان تكون البداية قبل الرومان بحقيقة الانتشار الفينيقي في شواطئ البحر الابيض الشرقية واقامتهم لمدن مثل قرطاج في تونس وقرطاجنة في اسبانيا اليوم وغيرها من المحطات التجارية والامنية على الضفاف الشمالية للمتوسط. عموماً نوجز بالقول ان الاسكندر المقدوني اسس لامبراطورية غربية توغلت في الشرق منذ ما قبل المسيحية، وان الدولة البيزنطية ورثت لاحقاً هذه الامبراطورية وما تلاها بعد ظهور الديانة المسيحية. وبظهور الاسلام ارتدت الدولة البيزنطية عن شرق وجنوب حوض البحر المتوسط وتمركزت في القسطنطينية وجاورتها الامبراطورية الكارولنجية في وسط وشمال اوروبا... هنا تجدد الصراع ليصيب كل مواطن لدى الطرفين مع فارق ان الشرق هو المتقدم تحت لواء الاسلام بقيادة العرب هذه المرة ضد الغرب، وتدهورت الرؤية الغربية للعرب والمسلمين اثر محاصرة القسطنطينية مراراً، وبعد فتح الاندلس وغزو مناطق فرنسية تصل الى اطراف باريس. في هذا الخضم اعترف الغرب للعرب في الاندلس بالتفوق العلمي والحضاري ونقلوا عنهم لاحقاً الكثير دون التوصل الى حالة من الدمج على مستوى القارة اذ بقيت الاضغان تزكيها النظرة السلبية وافعال الكنيسة التي كانت قاسية حتى على اهل العلم والمعرفة والرأي في الصف المسيحي ذاته ... ومنذ بداية القرن الحادي عشر عادت الحروب الشاملة بهجمات صليبية تزكيها الدعاية الدينية لتحتل وتدمر في الشرق بشكل همجي تناسب مع حجم الدعاية السلبية المضادة التي كانت تغذي تلك الحملات التي شملت الاندلس ايضاً واستمرت بين نصر وهزيمة حتى نهاية القرن الخامس عشر او بالاحرى الفترة التي شهدت سقوط بقية الاندلس في غرناطة، وسقوط القسطنطينية امام جيوش العثمانيين بقيادة محمد الفاتح وتسميتها اسطنبول وتحويل كنيستها الى جامع تقليداً لما فعلته الكنيسة الكاثوليكية في الاندلس عندما كانت تفتح أي مدينة هناك طوال فترة الصراع. من هزيمة الاندلس للعرب وهزيمة القسطنطينية للغرب استعرت النظرة السلبية بشكل لا سابق له، وفي السنوات الطويلة اللاحقة توسع العثمانيون في اوروبا وتحديداً في البلقان ووصلوا الى اسوار فيينا عاصمة النمسا الحالية، وكان العثمانيون قد تولوا قيادة وادارة معظم بلاد المسلمين، ولم يمر زمن طويل حتى تجددت الغزوات الغربية للشرق والتي انتهت الى المرحلة الحديثة المعروفة بالحقبة الاستعمارية التي ولدت من بطن التخلف والتردي الذي اصاب الشرق في اواخر العهد العثماني والتقدم العلمي والصناعي الهائل الذي توصل اليه الغرب واتخذه سلاحاً لاستعمار قائم على روح عنصرية وبغض ويختلف تماماً حتى عن اسلوب ومبادئ الاسكندر الاكبر والرومان الذين اختلطوا بالسكان وعمروا في الشرق. التقدم الصناعي السريع في الغرب لم يصب بسلبياته الشرق والعرب فقط وانما اثار النزعة القومية ثم العنصرية بين قوميات الغرب واقتتلوا في حربين عالميتين خلصت الثانية العرب عملياً من الاستعمار. الملاحظة المهمة هنا ان الغرب شعر بعد الحرب العالمية الثانية بأهمية زرع اسفين في المنطقة العربية قبل زوال الغرب منها فساعد ان لم نقل اسس قيام اسرائيل، وحافظ على مدها بالعلوم والدعم حتى الان مما جعل العرب، ربما، يظنون ان الغرب هو صاحب الكلمة في القرار الاسرائيلي. الملاحظة الثانية ان علاقة الغرب بيهوده على مدار القرون كانت سيئة جداً بينما العلاقة اليهودية الاسلامية كانت جيدة معاشاً، وقد يكون الغرب قد فكر بإصابة عدة عصافير بحجر واحد من اقامة دولة اسرائيل... التخلص من اليهود في اوروبا، وخلق اسفين وسط العرب، واضعاف العرب واجبارهم على طلب الدعم الغربي في صراعهم مع اسرائيل المدعمة غربياً والمستقلة ظاهرياً، وغير ذلك من العصافير التجارية والاقتصادية وكسر الشوكة الدينية والقومية. بالعودة الى لب موضوعنا سنجد ان الاحكام المتنوعة المسبقة التي تغذت في القرون الطويلة قبل المسيحية والاسلام قد تحولت بسرعة الى نظرة سلبية في مجملها ومتبادلة لقرون طويلة وصولاً الى الحقبة الاستعمارية واقامة اسرائيل التي صاحبها تحرر اليهود من الضغوط وتحولهم الى قوة فاعلة مالياً وسياسياً في الغرب وتحديداً في الولايات المتحدة. تمكن الصهاينة من القرار السياسي عبر اتقان فنون العصر من سياسة ودعاية واقتصاد ونظام وتخطيط طويل المدى، وصبوا كل قوتهم وخبرتهم لخدمة اسرائيل دون نقاش وبالتالي اضعاف الموقف العربي في العالم الغربي بكل السبل السريعة والمتأنية وكلها تعيد النظرة الغربية السلبية القديمة عن العرب مستغلة للتاريخ بشكل معين وناقص، وايضاً للسلبيات اليومية في عالم اليوم. لو نظرت الجامعة العربية مع غيرها من المعنيين بالامر الى انسان اليوم في الغرب ستجد ان التلفزيون يشكل الجزء الرئيسي كمصدر لمعلومات الغربي الذي يعود للبيت منهكاً، فإذا سمع الاخبار سيغُذى دماغه بالتعابير والرؤى الصهيونية التي ترسم العربي بصورة مصاص الدماء اقتصادياً منافق سياسياً ارهابي عسكرياً متطرف دينياً، بينما اليهودي الطيب وذكريات المحرقة تتكرر، وغير ذلك على صعيد الخبر اليومي في كل محطات الغرب... اما اذا ابتعد المواطن الغربي عن الاخبار الى فيلم ترفيهي سيجد على الغالب فيلماً فيه انسان عربي او مسلم سلبي حتى لو لم يكن الفيلم ذا علاقة بالعرب فهناك واحد عربي في الكومبارس سيعمل مخالفة ما. الواقع انه لا تمر ليلة في أي دولة غربية دون عرض فيلم سلبي عن العرب مباشرة، وجل الذين ينتجون هذه الافلام هم مؤسسات يهودية اميركية يبيعون منتجاتهم رخيصة السعر لتسهيل وتكرار عرضها على العالم الغربي وترسيخ الرؤية السلبية عن العرب وبالتالي ضمان التأييد والتفهم في الشارع الغربي للموقف الاسرائيلي مهما كان ووقتما حدث... وهذا هو جوهر التخطيط الصهيوني بعيد المدى. في ذلك علينا مطالبة الجامعة العربية بعمل محدد ومركز يخدم الامة حالياً ومستقبلياً عبر عشرات الابواب، ويعود على الجامعة بأموال وامجاد في فترة زمنية قصيرة ... الجامعة هي بيت العرب وممثلهم الرسمي والشرعي ويمكنها قانونياً التصدي للمحطات التلفزيونية ودور السينما التي تبث الافلام المضادة للعرب والاسلام وتطالب بوقفها وبتعويضات مالية ومعنوية لازالة الاثار المتراكمة كون تلك الافلام تحرض على العنصرية وتخالف القوانين الدولية والمحلية للدول المعنية، وبالطبع مقاضاة المنتجين لتلك الافلام وملاحقتهم في كل عوائده... ذلك العمل غير المكلف مالياً للجامعة العربية سينجح بسرعة في سحب الافلام السيئة من السوق وسيخيف المحطات من عرضها، وسيمنع المنتجين مستقبلاً من التصدي غير الموضوعي لقضايا تخص العرب والاسلام... اننا هنا لا نقدم مخترعاً جديداً فاليهود قد فعلوا الشيء ذاته بالقوانين ذاتها في نفس البلدان ولم يعد هناك أي فيلم يتعرض لليهود بسلبية. لو نجحت الجامعة في ذلك ستكون قد خدمت الامة فوراً ومهدت للمستقبل وساعدت في التفاهم الغربي العربي وسحب البساط من تحت اقدام العنصرية الصهيونية... واذا لم تفعل الجامعة هذه المهمة الابسط من برامجها المعلنة والاكثر تأثيراً فالمواطن العربي سيكون بحاجة الى تبرير مقنع لذلك القنوط.