على ماذا يعول الفلسطينيون؟

TT

الذين ظنوا لوهلة أن الأزمة بين واشنطن وتل أبيب بشأن الإعلان عن مشروع استيطاني جديد في القدس، ستؤدي إلى حدوث انعطاف في سياسات الحكومة الإسرائيلية إزاء الاستيطان، جاءهم الرد سريعا على لسان بنيامين نتنياهو في كلمته أمام مؤتمر «لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية (إيباك)» في واشنطن أول من أمس. فقد أعلن نتنياهو بلا لبس أو غموض أو حتى محاولة لتغليف كلامه بلغة دبلوماسية لا تحرج إدارة أوباما، أن من حق إسرائيل البناء في أي جزء من القدس، قائلا وسط تصفيق المندوبين الذين حضروا اللقاء «إن القدس ليست مستوطنة، إنها عاصمتنا». بل إن نتنياهو استخدم كلمته ليرد بشكل فوري على وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي حذرت في كلمتها أمام «إيباك» من أن استمرار سياسة البناء الاستيطاني يهدد جهود واشنطن لتحريك المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، ووازنت ذلك بقولها إن الالتزام بأمن إسرائيل هو «صخرة ثابتة وراسخة»، إذ أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى وجود «إجماع وطني» بشأن ضم القدس والبناء فيها، قائلا إن «الشعب اليهودي كان يبني القدس منذ ثلاثة آلاف سنة»، وإن كل الحكومات الإسرائيلية نفذت أعمال بناء في ما وصفه بالأحياء اليهودية في القدس منذ عام 1967.

ولم يكن نتنياهو يخاطب فقط الثمانية آلاف مندوب الذين حضروا مؤتمر «إيباك» السنوي والذين يشكلون قوة ضغط كبرى لمصلحة إسرائيل في الولايات المتحدة، بل كان يخاطب أيضا المئات من أعضاء الكونغرس الأميركي الذين حضروا المؤتمر، وهاجم بعضهم في تصريحات متفرقة، أي محاولات للضغط على إسرائيل بحجة أن ذلك يعرض أمنها للخطر. فنتنياهو أراد القول لإدارة أوباما إنه سيرد عليها بشأن الاستيطان، ليس في القدس وحسب، بل وفي واشنطن ذاتها، ومن خلال أدوات الضغط اليهودية هناك وتحريك «أصدقاء إسرائيل» في دهاليز السلطة الأميركية. ومن هذا المنطلق فقد تحولت الخطابات في مؤتمر «إيباك» بما فيها كلمات من أعضاء في الكونغرس الأميركي إلى مباراة لإعلان الرفض لأي ضغوط على إسرائيل، وتأكيد الالتزام بأمنها.

وتضع إسرائيل عينها على انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس في نوفمبر المقبل، وذلك من منطلقين، الأول أنه في أوقات الانتخابات لا يجازف السياسيون الأميركيون بالدخول في معارك مع إسرائيل خوفا من نفوذ جماعات الضغط اليهودية، والثاني أن التوقعات تشير إلى أن الحزب الديمقراطي ربما يخسر عددا من مقاعده في هذه الانتخابات، مما سيضعف إدارة أوباما وينقل تركيزها إلى الداخل في ظل الاستقطاب الشديد حول بعض برامجها وخططها ومع استمرار الأزمة الاقتصادية. ولهذا سنرى الحكومة الإسرائيلية تلعب على الوقت وتمارس المماطلة المعتادة، خصوصا وأنها لا تشعر بما يضطرها إلى تقديم تنازلات كبيرة للفلسطينيين في الوقت الراهن، فالموقف الفلسطيني في أسوأ حالاته، في ظل الانقسام والصراع بين حماس والسلطة الفلسطينية في رام الله، إلى درجة أنه حتى لو نجحت جهود المصالحة فإن الثقة بين الطرفين قد تبقى غائبة لفترة طويلة، مما سيعني استمرار حالة الضعف وغياب القوة التفاوضية الحقيقية. ولكي نكون واضحين، فإنه لا يمكن للفلسطينيين توقع معجزة عربية تحقق لهم طموحاتهم وآمالهم، فالموقف العربي واهن أصلا، وحتى لو توفرت الإرادة للقيام بخطوات جدية لدعم المفاوض الفلسطيني، فإن ذلك سيحتاج إلى أن يستمد الموقف العربي قوته من تماسك وقوة الطرف الفلسطيني.

وليس معقولا أن ترهن حكومة محمود عباس كل مصيرها التفاوضي بالجهد الأميركي، مثلما أنه من غير المقبول أن تماطل حماس في المصالحة وترهن مصير فلسطينيي غزة بحسابات طهران. وليس مفهوما على أي سلطة تتعارك فتح وحماس بينما المعاناة الفلسطينية تتفاقم، والأرض تصادر، والدولة الحلم تنكمش يوما بعد يوم. فالمطلوب من القيادات الفلسطينية أن ترتفع إلى مستوى المسؤولية ولا تغامر بحقوق شعبها أكثر مما فعلت، فمن غير تحقيق مصالحة حقيقية لن يستطيع أحد أن يفعل للفلسطينيين شيئا، لا الدول العربية.. ولا واشنطن بالتأكيد.