الحرم الإبراهيمي

TT

عندما أعلنت إسرائيل في تحدٍّ آخر للمواثيق الدولية ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى التراث الإسرائيلي كنت يومها في زيارة للولايات المتحدة الأميركية.. لاسترجاع تابوت فرعوني بالغ الجمال والروعة يرجع تاريخه إلى ثلاثة آلاف عام مضت.. لأنه قد سُرق من مصر.. وقد عاد التابوت بالفعل..

وفي حديث مع أحد الأصدقاء وجدت أنه منحاز تماما إلى وجهة النظر الإسرائيلية وما تنشره الصحف الأميركية.. وفوجئت به يقول: «إن هذه الآثار داخل دولة إسرائيل، وبالتالي من حقهم تسجيلها ضمن الآثار اليهودية حتى لو كانت مسيحية أو إسلامية»!

الكلام كان حقا مستفزا ويثير الغضب، خصوصا أنه ضد كل المبادئ الإنسانية والقواعد والقيم بل والنظم الدولية.. وأخذت في توضيح الأمر لهذا الصديق الأميركي بأن هذه المواقع الأثرية موجودة على أرض فلسطينية محتلة وأي تغيير أو تسجيل لهذه المواقع هو تغيير في هويتها وهو مخالف للقواعد الدولية الخاصة بالتراث الإنساني.

فهناك اتفاقيات دولية منذ منتصف القرن العشرين ترغم أي دولة احتلال على عدم المساس بالتراث الإنساني في الدولة المحتلة.. ولا بد أن نعرف أن آثار غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة هي آثار فلسطينية، وهناك قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يعتبر هذه الأراضي أراضي محتلة، وأي إجراءات تتم بها باطلة تماما. ومن هنا ليس من حق إسرائيل ضم أي أثر أو موقع أثري لقوائمها فهي سلطة احتلال لا يجوز لها أن تحدث أي تغيير في ما تحتله من أراضٍ.

وقد ضربت له مثلا على ذلك، وسألته: هل يكمن للولايات المتحدة الأميركية وهي تحتل العراق أن تعلن ضم موقع أثري إلى قائمة التراث الأميركي يخص حضارة وتراث العراق؟! لذلك وطبقا للقانون الدولي لا يجب على سلطة الاحتلال أن تقوم بأي تغييرات ديموغرافية أو معمارية على الأثر!

وبدأت أوضح لمن معي أن الحرم الإبراهيمي هو بناء محاط بسور داخل مدينة الخليل، وبداخله الآن مسجد ومئذنة جميلة، ويُعتقد أن سيدنا إبراهيم (عليه السلام) قد دُفن في هذا المكان، وكان قبل تاريخ المسجد تقوم كنيسة ترجع للعصر الروماني تحولت بعد الفتح الإسلامي إلى مسجد، وعندما جاءت الحملة الصليبية واحتلت بيت المقدس تحول المسجد إلى كنيسة، ثم جاء صلاح الدين الأيوبي وبعد موقعة حطين في عام 587 هجرية تم بناء المسجد مرة أخرى.

إن ما تقوم به إسرائيل الآن يُعتبر خرقا للقواعد والقيم الدولية، وإن الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح ليس له أي صلة من قريب أو بعيد بالتاريخ اليهودي، بل هو من نتاج وجزء من حضارة وتراث فلسطين. ويجب على المجتمع الدولي عدم تجاهل هذه الجريمة.

ولكن هل يكفي أن نلوم المجتمع الدولي ونحن نرى العرب مكتوفي الأيدي، يطلقون النداءات ويصدرون بيانات الشجب والاستنكار دون أي ضغط على المجتمع الدولي ووسائل إعلامه.. لكي نؤكد أننا أصحاب حق ولكي نضرب الباطل بالحق للمرة الألف يجب أن نوحد كلمتنا وأن نتحدث بلسان واحد وبقلب رجل واحد لكي يسمعنا الآخرون.. وإلا ضاع الحرم الإبراهيمي وضاع مسجد بلال وفي الطريق المسجد الأقصى!