من بغداد إلى دارفور

TT

لا شيء في دارفور، بعد الآن، يقول الرئيس عمر البشير. فلتتقدم المعارضة إلى الحوار، يقول الرئيس علي عبد الله صالح. لماذا؟ ما الذي تغير في أهالي دارفور أو في المعارضين اليمنيين؟ ماذا لو لم تكن حرب في دارفور ولماذا دعا علي عبد الله صالح خصومه إلى الحوار منذ عشر سنوات؟ فلنفكر لحظة واحدة في ما كان ممكنا أن نوفر. ليس على الخصوم بل علينا.

ذهب جورج بوش إلى «تحرير العراق» ومعه 300 ألف عسكري و920 دبابة و900 قاذفة و50 طائرة بلا طيار تدعمهم 6 حاملات طائرات. قذف العراقيون بـ23 ألف صاروخ دقيق و750 صاروخا من طراز كروز و1750 قنبلة انشطارية. وبعد أربعة أسابيع فر الجيش العراقي الذي بلا غطاء جوي وقتل آلاف العراقيين، وبلغت خسائر بغداد نحو 100 مليار دولار على الأقل، بينما تكلفت واشنطن 45 مليارا، وهو رقم ارتفع إلى 666 مليار دولار بعد خمس سنوات في حرب كانت تكبد الأميركيين 5 آلاف دولار في الثانية. تصور لو أن حاكم العراق لم يكن صدام حسين ولو أن الغرب لم يكن قد سقط في وحل جورج بوش والزمرة التي قادته وقادت أميركا إلى أكبر إفلاس في التاريخ. تصور للحظة لو أن صدام حسين أصغى إلى زايد بن سلطان يرجوه أن يغادر مكرما إلى حيث يشاء لكي يوفر على نفسه وعائلته والعراقيين تلك المواجهة العبثية مع الموت والدمار والخراب وذل الاعتقال في مخبأ بين البساتين.

العناد في السياسة دمار حتمي مشترك. صدّق صدام حسين الكذبة التي اخترعها له الغرب، وهو أنه رابع جيش في العالم. وصدق أنه خدع الأميركيين عندما نشر دبابات من خشب، وهو أسلوب بدائي من قبل اختراع المدفع. واعتبر الكرامة في خوض مواجهة مع أميركا وبريطانيا ودول حلف الأطلسي. ولم يصدق أن الاتحاد السوفياتي قد تغير حتى عندما أبلغه ذلك صديقه يفغيني بريماكوف. لم يصدق أن حربا ستقع حتى بعد ست ساعات قضاها طارق عزيز مع جيمس بيكر في جنيف، يحاضر فيه كيف أن الكويت جزء من العراق. نسي الوزير المثقف والأستاذ السابق أن ألاسكا كانت جزءا من روسيا ولويزيانا كانت جزءا من فرنسا وأن تغيير الخرائط أصبح ممنوعا بعد الحرب العالمية الثانية في عالم كان لا يزال بين قطبين. ثمة من قال إن الحرب هي الدبلوماسية بوسائل أخرى، وهذا خطأ. الدبلوماسية هي الدبلوماسية، والحروب لا تخاض إلا من أجل أن تربح. وقد اخترعت السياسة من أجل توفير المال وحماية البشر وتحصين الأمم. تصور لو أن أموال حرب العراق صرفت على تنمية العراق أو حتى صرفت على فقراء أميركا أو صرفت على جائعي العالم أو صرفت على الأبحاث الطبية. لكن زمرة أشقياء أمسكوا بعنف أميركا ودرسوا عقلية رجل يدعى صدام حسين يقف على شرفات بغداد ويطلق النار في الهواء وهو يعتمر قبعة أميركية. الحكمة هي الحل.