شق الثياب طربا

TT

هذه ظاهرة عجيبة من شعوب فقيرة كشعوب الشرق الأوسط، وهي أن يشق الناس ثيابهم عند انفعالهم. ومن المعتاد للمرأة عندما يردها نبأ موت عزيز عليها أن تبادر إلى شق ثوبها حتى ولو كان الثوب الوحيد الذي تملكه، لتلطم على صدرها. هذا ما فعلته والدتي عندما لفظ والدي أنفاسه الأخيرة، رحمهما الله. ورأيت في بغداد مشهدا لن أنساه: امرأة دهست وقتلت سيارة ابنتها الوحيدة فشقت ثوبها بالكامل فتعرى جسمها وكشف عن عورتها وراحت تجري هكذا كالمجنونة للمستشفى والناس عبثا يحاولون سترها.

أفهم أن يفعل ذلك منكوب، ولكن العجيب أننا نفعل ذلك حتى في الأفراح، وشركات الملابس الجاهزة تشجعنا عليه. انطبق ذلك بصورة خاصة على حفلات الطرب. يا وياما سمعت عمن كانوا يشقون ثيابهم كلما أبدعت أم كلثوم في آهة من آهاتها المثيرة. وهذا هو الفرق الرئيسي بينها وبين فيروز. فكوكب لبنان تدغدغ السامع عندما تغني، ونجمة النيل تجعله يشق ثيابه.

وللموضوع تراث مديد. وهو ما رواه إبراهيم الموصلي حين قال إنه دخل على موسى الهادي وهو يشرب. فقال له «غنني فإن أطربتني فلك حكمك». فغنى له:

وإني لتعروني لذكراك هزة

كما انتفض العصفور بلله القطر

فضرب بيده على جنب قميصه وشقه حتى انتهى إلى صدره. ثم غناه:

أما والذي أبكى وأضحك والذي

أمات وأحيا والذي أمره الأمر

لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى

اليقين منها لا يروعهما الزجر

فعاد وشق ما بقي من قميصه حتى آخره. والمطرب لا يبالي بذلك أو يعبأ به وكأنه أمر طبيعي أن يشق ثيابه طربا، فاستأنف المطرب الكبير دوره وغنى:

فيا حبها زدني جوى كل ليلة

ويا سلوة الأيام موعدك الحشر

فشق الهادي جبة كانت تحت قميصه حتى هتكها. وواصل إبراهيم الموصلي غناء المقطوعة الشعرية:

عجبت لسعي الدهر بيني وبينها

فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر

يقول الراوي، فشق الخليفة قميصا آخر كان تحت ثيابه حتى بدا جسمه. ثم قال وهو في هذه الهيئة، مشقوق الثياب، عاري الجسم، أحسنت فاحتكم. فطلب منه عين مروان في المدينة المنورة. فقال له الخليفة: تريد أن تجعلني أحدوثة بين الناس وتقول أطربته فحكمني فحكمت عليه. ثم أمر أمين الخزانة وقال له خذه إلى بيت مال الخاصة فإن أخذ كل شيء فلا تمنعه. فدخل وأخذ مالا جليلا وانصرف.