فزنا في معركة.. لكن ماذا عن الحرب؟

TT

يراود الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الأمل في أن يضعه الانتصار الذي حققه بشأن قانون إصلاح الرعاية الصحية في مصاف الرؤساء الذين تمكنوا من إحداث تحولات كبرى. بيد أن التاريخ ربما يرى في هذا التشريع فرصة أهدرها أوباما.

الآن، بات في حكم المؤكد أن قضية الرعاية الصحية لن تثار مجددا قبل جيل كامل على الأقل، وبذلك سيبقى أكبر مصدر للعجز في الموازنة - المتمثل في التأمين المعفى من الضرائب الذي توفره جهات التوظيف، والذي يوقع سلعة ذات معدل تضخم مرتفع، وهي الرعاية الصحية، في شرك نظام الأجور والرواتب - قائما. ولم يكن في استطاعة أوباما تحدي هذا الوضع من دون اتخاذ إجراءات - مثل توفير اعتمادات ضريبية للأفراد، وتمكينهم من اختيار وشراء التأمين المناسب لهم - من شأنها تمكين الأفراد، وبالتالي تتعارض مع أجندة حزبه القائمة على نشر الاتكالية.

الأحد، مثلما سيحدث يوميا على امتداد عقدين، سيصبح 100.000 آخرون من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي شهد زيادة كبيرة في المواليد، من المؤهلين للتمتع بالضمان الاجتماعي والرعاية الصحية في ظل برنامج «ميديكير». وقد اقترب الكونغرس بدرجة أكبر من ضم نسبة ضخمة من أبناء الطبقة الوسطى إلى الهيكل المتهالك لدولة الرفاه الخادعة داخل أميركا. وقدم الكونغرس كلمة واحدة في رده على الفيضان السكاني وعشرات التريليونات من الديون العائمة (غير المجمعة): «المزيد». ومن المقرر توفير تأمين صحي مدعوم للأسر المؤلفة من أربعة أفراد ويصل دخلها إلى 88.200 دولار سنويا، وهو سقف من المؤكد أنه سيرفع عن ذلك مرارا. أما الخدعة المحاسبية التي سيجري استغلالها لجعل هذه المصاريف تبدو في متناول البلاد - مثل فرض خصومات على «ميديكير» وضرائب على الخطط التأمينية مرتفعة القيمة - فتحمل أصداء الممارسات المميزة لشركة «إنرون» التي انهارت. ومع تعالي البرج المترنح للوعود الأميركية التي يتعذر الوفاء بها، تتزايد أيضا نفوذ على أصعدة الضرائب والضوابط التي تقلص الاستثمارات وتثبط عمليات خلق الوظائف. ومن شأن ذلك إبطاء وتيرة الديناميكية الأميركية، وبالتالي الحراك الاجتماعي نحو الأمام، مع تحول الاقتصاد إلى الصورة التي يودها الحزب المؤلف للحكومة - وهي صورة تقوم على اعتماد الاقتصاد على نحو متزايد على الطلب الذي تخلقه الحكومة.

من الواضح أن الحزب الديمقراطي اختار لنفسه مهمة تعزيز الاتكالية. ويدرك الحزب جيدا أن جميع الاستحقاقات تقريبا ستستمر إلى الأبد، وأن الأخرى المفتقرة إلى طابع أبدي - مثل الاستحقاقية خلال فترة الحياة للرفاه، التي ألغيت عام 1996 - لا تستهدف الطبقة الوسطى. يعتقد الديمقراطيون أن استحقاقات الطبقة الوسطى مسببة لإدمان فوري، وأنه نظرا لعدم توافر ترياق معروف لهذا الأمر، فإن أبناء هذه الطبقة حال وقوفهم في مواجهة الاختيار بين الاستحقاقات المقلصة أو زيادة الضرائب، سيختارون الأخيرة.

إن تشريع الرعاية الصحية أشبه بمتحف يضم أعمالا فنية عتيقة من صنع الليبرالية. ويتضح ذلك في عبارات القانون، مثل العبارة التي تنص على أن وزير الصحة والخدمات الإنسانية «من خلال تقديمه منحا وعقودا في ظل هذا القسم... سيعطي الأفضلية للكيانات المتميزة بسجل مؤكد... في مجال تدريب الأفراد المنتمين إلى جماعات أقلية تعاني انخفاض مستوى التمثيل، أو إلى خلفيات تعاني ظروفا سيئة». وينص القانون كذلك على إنشاء مجلس استشاري بشأن منشآت المدارس العامة صديقة البيئة ومرتفعة الأداء، وكذلك على منح «لتعزيز ترشيد استهلاك الطاقة والمياه في منشآت المدارس العامة». وسيعتقد الرأي العام أن نظام الرعاية الصحية هو ما رغب فيه الديمقراطيون. وستتعمق مشاعر السخط لأن الأنظمة ذات التعقيد المتزايد تزيد السخط، ولأن الديمقراطيون أطلقوا وعودا غير منطقية، تتمثل في إدخال تحسينات سريعة وملحوظة على نظام الرعاية الصحية. وسيسعى الديمقراطيون إلى تهدئة الغضب العام بتوفير مزيد من الإعانات. وعليه، تتنامى الاتكالية.

أما بالنسبة للجانب المشرق، فيعتقد أن الديمقراطيين سيدخلون قريبا في حقبة من الجراح التي سببوها لأنفسهم، خصوصا مع الانتقال إلى نظام مقايضة الحصص الكربونية المعني بالبيئة. خلال فترة الاهتمام بتشريع الرعاية الصحية، استفادت الأمة من إغفال باقي عناصر الأجندة الديمقراطية. والآن، ربما تستفيد الأمة من الإنهاك الذي أصاب الديمقراطيين، والذي ربما يثبطهم عن خوض المزيد من المخاطرات السياسية.

*خدمة «واشنطن بوست»