محمود عباس أمام حائط مسدود!

TT

مع ازدياد عدد القتلى والجرحى يوميا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإطلاق نتنياهو تهديداته المسعورة، يتكلم عدد من مسؤولي التنظيمات الفلسطينية في لبنان، عن تصاعد للمواجهات في الأراضي المحتلة في الأسابيع المقبلة، واشتعال ما يشبه انتفاضة ثالثة. هؤلاء يتابعون عن كثب ما يجري في فلسطين ولهم أقنيتهم وجماعاتهم التي يتواصلون معها يوميا. اللافت أن المعارضة الفلسطينية ليست وحدها من تتوقع الوصول إلى انتفاضة جديدة، وإنما أيضا بعض قادة فتح الذين باتوا لا يخفون أن استمرار الجلف الإسرائيلي وتحدي نتنياهو للمشاعر الدينية، لن يمضي على خير.

الآراء متفقة جميعها على أن التصعيد آت. البعض يقول إن المرحلة المقبلة ستشهد نوعا من التطورات غير المحسوبة التي تخطط لها حركات ضاقت ذرعا بوعود السلام. وثمة أخبار تقول بأن حماس قد تستغل فرصة الاحتقان في الضفة لتقوم من هناك بعملية عسكرية أو أكثر، لتفقد إسرائيل صوابها. آخرون يخبرونك أن بعض خلايا فتح النائمة ستتمرد هذه المرة وترفض قيد محمود عباس الذي كبلها لسنوات. وما بين الاحتمالين المطروحين، سيناريوهات كثيرة لا يفصح عنها المسؤولون ويقولون: «الأسابيع المقبلة حبلى بالمفاجآت».

ما يتحدث عنه الفلسطينيون هنا ليس مجرد توقعات؛ إنها معلومات ترد، لا بد من أن الرئيس الفلسطيني يعلم بها، كي يقول بعد لقائه المبعوث الأميركي جورج ميتشل في الأردن إن «المقاومة حق للشعب الفلسطيني، تكفله الشرائع الدولية». لكن هذا التصريح لم يعد يكفي، وعلى الرئيس محمود عباس أن يستشعر النبض الفلسطيني، وإلا فقد تفلت اللعبة من يده. ولا يقدم أو يؤخر قوله إن «الاعتداءات الإسرائيلية ما زالت مستمرة والاستفزازات كذلك، ورغم كل هذا، فإن الشعب يضبط نفسه، ونحن نحاول أن نضبط الأمور». وأن يطالب الحكومة الإسرائيلية بأن «تتوقف عن كل ما من شأنه الاستفزاز وإثارة الغضب ومخالفة الشرعية الدولية».

فها هو نتنياهو يرد على عباس بأن «القدس ليست مستوطنة بل هي عاصمة لإسرائيل» وكان قد قال قبل ذلك بأن «البناء في القدس كالبناء في تل أبيب»، ضاربا عرض الحائط بكل القرارت الدولية، ناسفا عمرا من المفاوضات. هكذا وضع نتنياهو الرئيس الفلسطيني في أسوأ موقع، وجعله بين نارين؛ إما القبول بتهويد القدس والتنازل عن المسجد الإبراهيمي ومواجهة شعبه، وهو ما لم يجرؤ عليه أحد من قبل، أو الاعتراف بأن عملية السلام وصلت إلى نهاياتها وما بقي للشعب إلا أن ينتفض، وهو ما لا يحتمله المزاج العباسي المسالم. أما وقوف عباس بين المنطقتين فهذا يضعه في منزلق خطر، لا تقبله فتح، وبدأت تستثمره بقوة بقية الفصائل، بدليل التصريحات النارية ضد عباس التي انفتحت عليه كنار جهنم تعتبره غير أهل لتحمل مسؤولية ومقدرات الشعب الفلسطيني، لا بل ولا يحق له التدخل في قضايا الشتات.

وبحسب أحد مسؤولي الفصائل، فإن أولوية عباس اليوم هي عقد صلح مع حماس، لأن أي تحرك إسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، يوقع المزيد من الضحايا، في ظل الخصومة الحالية، سينقلب عليه. وهو ما تعرفه حماس جيدا، مما يجعل الحركة لا تتنازل ولا تتزحزح، بل تركز جهودها على مزيد من الاستفزاز لإسرائيل وإطلاق الصواريخ، وربما استفادت من وجود عناصر لها في الضفة لإشعال جبهة جديدة.

تيار المقاومة أو تيار «البين - البين» يفرك كفيه هذه الأيام، في انتظار أن يحصد ثمر هذا الانكشاف السافر لعملية سلام دامت منذ عام 1993 ولم تحصد، في رأيهم، غير المرارة. وثمة من يقول أيضا إن ما ينقص عباس هو حيلة أبو عمار وقدرته على إدارة العمليات العسكرية ضد إسرائيل، ومن ثم إدانتها والسير في المفاوضات في وقت واحد.

ومما يزيد الطين بلة أن الرأي العام الإسرائيلي، وبحسب استطلاع نشر منذ أيام، يؤيد تماما تطلعات نتنياهو الاستيطانية وتحديدا في القدس، ولا يرى الإسرائيليون، على ما يبدو، في تصريحاته، التي تستجلب سخط العالم، ما يستحق اللجم أو التراجع، أو حتى كاتما للصوت.

وبما أن علاقة أميركا بإسرائيل بصلابة «الصخر» كما قالت هيلاري كلينتون، ونتنياهو مطمئن إلى رأي عام يحميه، وإدارة أميركية ضعيفة لا تستطيع ثنيه عن طموحاته التوسعية، فإن الرئيس محمود عباس في وضع لا يحسد عليه، حتى بات يقال بين المعارضين الفلسطينيين إنه صار يصدر مشكلاته إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان التي لم يعد لفتح فيها ما تعتد به.

جل ما استطاعته السلطة بعد السيطرة الإسرائيلية على الحرم الإبراهيمي، والإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل في البناء والقضم، ومن ثم قتل أربعة فلسطينيين في يومين وأسر 250 فلسطينيا بينهم ثلاثون طفلا، هو أن تطالب أميركا بالضغط على إسرائيل لتجميد الاستيطان. أمر لا ينظر له الفلسطينيون - موالون ومعارضون - بعين الرضا، أما من يحاولون استغلاله فكثر على ما يبدو. وهؤلاء يؤكدون أن دورهم قد حان، ويستمهلونك أسابيع، لترى بعينك ما يمكن له أن يفعلوه على الأرض.