آخر «خلاف عائلي»؟

TT

بين رئيس أميركي لا يرقى حزمه الدبلوماسي إلى مستوى مواهبه الخطابية، ورئيس حكومة إسرائيلي يفوق حرصه على حكومته الائتلافية اهتمامه بتسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، تراوح مفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية مكانها.

بالنسبة إلى إسرائيل «عرفَ الحبيبُ مقامَه فتَدلّل».. وتوسل كل محاولة متاحة لبسط حدود دلاله إلى أوسع رقعة ممكنة في واشنطن.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وإن كان الدلال لا يعني الخصام، فإن حدوده «الدولية» محكومة بعاملين: الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية التقليدية مع إسرائيل (في وقت فقدت فيه أهميتها السابقة)، وتجنّب قطع «شعرة معاوية» مع العالمين العربي والإسلامي.

مؤسف أن سبع سنوات عجاف مرت على اتفاقية أوسلو - التي رُتبت لإقامة سلطة وطنية فلسطينية في الأراضي المحتلة - لتصبح التسوية الفلسطينية الإسرائيلية مرهونة اليوم بتسوية أحدث خلاف «عائلي» بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية، علما بأن هذه الخلافات تنشب «حادة» في العادة لتنتهي، على الطريقة اللبنانية، «بلا غالب ولا مغلوب»!

قد لا يقف التشبيه بالصيغة اللبنانية لتسوية الخلافات عند هذا الحد، فمثلها مثل الخلافات اللبنانية، تتجنب الخلافات الأميركية - الإسرائيلية الاعتراف الصريح بغالب أو مغلوب في أي دورة مواجهة بينهما.. رغم أنها تفرز في نهاية المطاف «مغلوبا على أمره»، هو إسرائيل في العادة.

وهكذا، وللمرة الرابعة منذ انتخابه، يستقبل الرئيس الأميركي باراك أوباما رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في واشنطن، في أجواء متأزمة يستفيد منها نتنياهو إسرائيليا وأوباما عربيا وإسلاميا (ضمن حدود معينة طبعا).

وهكذا، وعملا بقواعد لعبة «اللا غالب ولا مغلوب» يسعى نتنياهو في مواجهته مع الرئيس الأميركي، لحفظ ماء وجهه - وائتلافه الحكومي معا - بإعلانه، عشية المغادرة إلى واشنطن، أن من «حق» إسرائيل بناء مستوطنات يهودية في القدس الشرقية تماما كحقها في بنائها في تل أبيب، ويعيد في واشنطن تأكيد موقفه المتشدد من الاستيطان بادعائه أن القدس «ليست مستوطنة بل عاصمة»، لإسرائيل وحدها طبعا.

تصريحات نتنياهو «الدون كيشوتية» أطاح بمصداقيتها ما كشفته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية من أن رئيس بلدية القدس المحتلة «جمّد» مشروعَي بناء في المنطقة الشرقية من المدينة «بناء على نصيحة المستشار القانوني للبلدية»، وما أكدته الصحف الإسرائيلية عن تقديم نتنياهو «أجوبة إيجابية» على معظم طلبات واشنطن منه، وهي طلبات لخصها بقوله إنه رغم عدم موافقته على طلب الإدارة الأميركية «الحد» من عمليات الاستيطان في القدس الشرقية، فهو ملتزم «بمراقبة وثيقة» لحركة البناء في المدينة «تجنبا للحوادث المحرجة».

وإذا كانت صيغة «اللا غالب ولا مغلوب» تفترض بنتنياهو التلويح بسلاح اللوبي الصهيوني في واشنطن - وتحديدا الـ«إيباك» - فقد استخدمت وزيرة الخارجية الأميركية منبر «إيباك» بالذات لتبليغه، عشية اجتماعه بأوباما، ومن موقع مسؤولية الولايات المتحدة «كدولة صديقة لإسرائيل»، رسالة أميركية واضحة مفادها:

- أن المستوطنات الإسرائيلية الجديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية «تقوّض» عملية السلام مع الفلسطينيين.

- أن الوقت قد حان لأن تتخذ إسرائيل «خيارات صعبة لكنها ضرورية».

هل هو آخر «خلاف عائلي» بين واشنطن وتل أبيب قبل العودة إلى المفاوضات غير المباشرة؟

قد ينفع التذكير بأنه سبق لنتنياهو أن ضرب عرض الحائط بطلب أوباما، العام الماضي، تجميد عمليات الاستيطان، مما أجبر الموفد الأميركي الخاص، جورج ميتشل، على إهدار سنة كاملة من الزمن في زيارات مكوكية إلى إسرائيل سعيا، عن عبث، وراء تجميد «مؤقت» للاستيطان. وذلك يعني أن أي تراجع محتمل في مطلب الإدارة الأميركية المتجدد تجميد بناء المستوطنات لن يكون الضربة القاضية على المفاوضات فحسب... بل على سمعة الولايات المتحدة كلاعب أساسي على الساحة الشرق أوسطية.

والمشكلة أنه في هذه الحالة ستكون إيران، لا إسرائيل، أولى دول المنطقة المستفيدة من التخاذل الأميركي.