مخاوف بشأن العمليات المعلوماتية للجيش الأميركي

TT

أصبح الحديث حول «حرب الأفكار» بين المتطرفين المسلمين والغرب مألوفا منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001. ولكن لم يكن هناك قدر واف من الاهتمام بعمليات الحشد التي يقوم بها الجيش الأميركي في تلك الحرب، التي كان يتم وصفها دائما بتلك العبارة الغريبة «العمليات المعلوماتية».

ولكي يروج الجيش لتلك المعركة، فإنه قام بتمويل عدد من المتعهدين والاختصاصيين والبرامج التدريبية والمبادرات التي تستهدف جبهات المعارك المتأججة في أفغانستان والعراق ومناطق الصراع الأكبر في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وكان الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الأميركية، الذي يشرف على المنطقة، واحدا من أكثر المدافعين عن العمليات المعلوماتية الجريئة.

وسلطت الأضواء على الأضرار المحتملة لتلك العمليات في 14 مارس (آذار) عندما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريرا يفيد بأن أحد المسؤولين في البنتاغون من القائمين على «الاتصالات الاستراتيجية» كان يمول المتعهدين لجمع المعلومات الاستخبارية في أفغانستان. كما نشرت الأسبوع الماضي، إلين ناكاشيما، من «واشنطن بوست» تقريرا يفيد بأن الجيش، في إحدى العمليات المعلوماتية الجريئة، أغلق موقعا إلكترونيا للجهاديين كانت الاستخبارات الأميركية تراقبه لأغراض استخباراتية. وفي كلتا الحالتين، بدا وكأن الجيش قد تسلل إلى منطقة العمليات السرية التي كانت الاستخبارات الأميركية تهيمن عليها طوال الوقت. وهي المنطقة التي يجب رفع لافتة تحذير عليها مكتوب فيها «على رسلك»؛ حيث يجب على الولايات المتحدة أن تتوخى الحذر بشأن تشجيع عسكرة المعلومات، خاصة عندما تتقاطع تلك الجهود مع عالم الاستخبارات. فنحن أمة ازدهرت على نحو متفرد عبر تدفق المعلومات المفتوح وغير المقيد. أشعر بالتوتر، عندما أفكر في أن المتعهدين السريين يتابعون مقالتي.

وقد أطلق الأدميرال مايك مولين، رئيس هيئة الأركان الأميركية، الإنذار الأول خلال العام الماضي؛ حين كتب في مقال نشرته مجلة «جوينت فورس كوارترلي»: «لقد أصبح الوقت ملائما كي نلقى نظرة أكثر عمقا على (الاتصالات الاستراتيجية). في الحقيقة أنا غير مهتم بالمصطلح، فهو ليس سوى نوع رديء من صناعة التعهيد». من جهة أخرى، أبرز أحد المسؤولين الكبار بالجيش انتقادات مولين خلال الأسبوع الحالي مؤكدا أن العمليات المعلوماتية قد تحولت إلى «نوع مفرط من الشؤون العامة» يخضع لما وصفه بـ«رقابة محدودة». وقال موضحا إن «الاتصالات الاستراتيجية تنطوي على إحساس بالاحترام يفتقر إليه مصطلحا (بروباغندا) أو (سياسات التأثير). ولكن ما يعيب ذلك المصطلح هو أنه مصطلح فضفاض لأن البيئة المعلوماتية تصبح عالمية على الفور في عصرنا الراهن.. فبمجرد أن تقول شيئا، يصل إلى أنحاء العالم كافة في غمضة عين، مما يجعل كل نشاط له علاقة بسياسات التأثير يثير ارتياب قطاع أوسع وأكبر من الجمهور المتشكك».

وقد أمر وزير الدفاع، بوب غيتس، خلال الأسبوع الحالي بإجراء تقييم سريع خلال أسبوعين لبرامج العمليات المعلوماتية في البنتاغون. وقال غيتس إن «لديه مخاوف» بشأن «المتعهدين الذين يجمعون المعلومات في ميدان المعركة». وهناك قدر وفير من المال متوفر لتمويل تلك العمليات التي لا تخضع سوى لرقابة محدودة. فخلال السنة المالية الحالية، وافق الكونغرس على ميزانية قيمتها 528 مليون دولار لعمليات الحرب النفسية والمعلوماتية. وقد طلب البنتاغون ميزانية قدرها 384 مليون دولار للعام القادم.

ويمكنك رصد ذلك إذا ما تصفحت شبكة الإنترنت، حيث ستجد سلسلة من المتعهدين الذين يقدمون خدماتهم بشأن أي شيء؛ بدءا من «التواصل الثقافي»، ووصولا إلى «العمليات السرية». إنه عالم من عروض «باور بوينت» حول كيفية نشر الرسائل المؤيدة للأميركيين وفي الوقت نفسه إرباك العدو ودحض حججه.

وقد عرف تقرير فبراير (شباط) 2006 حول عمليات المعلومات الذي صدر عن هيئة الأركان بالجيش الهدف من ذلك بأنه «التأثير، والتعطيل، والإفساد، أو الاستحواذ على صناعة القرار لدى العدو سواء كانت بشرية أو آلية، وحماية صناعة القرار لدينا في الوقت نفسه».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2003، جاء في ملحق خاص بتقرير «خارطة العمليات المعلوماتية» التي تصدرها وزارة الدفاع، أن أحد العناصر التي يمكن اللجوء إليها هو «الراديو، أو التلفزيون، أو المطبوعات، أو الإنترنت التي تم تصميمها خصيصا للتأثير المباشر على السلوكيات». ولا يبدو ذلك مشابها لنداءات بترايوس المتكررة والملائمة: «مع الحق أولا». في جانب منها، نشأت المشكلات عن تعارض تلك الأنشطة معا. فمثلا في أفغانستان، كان لدى الأدميرال غريغوري سميث ميزانية تصل إلى نحو 100 مليون دولار لتنفيذ العمليات المعلوماتية التي طلب القيام بها، والتي كانت تشتمل على 30 مليون دولار لعمليات الحرب النفسية، و30 مليون دولار لوضع تقارير حول «البيئة» المحلية، و10 ملايين دولار للشؤون العامة، و30 مليون دولار أخرى للبرامج الأصغر.

وقد أخبرني سميث على الهاتف من كابول: «لقد حاولت أن أضع رؤية أكثر انضباطا لماهية العمليات المعلوماتية، وأن أتأكد من أن أنشطتنا لا تتعارض مع بعضها بعضا»، ويحتاج رؤساؤه في البنتاغون لأن يتأكدوا من أن تلك الضوابط الضرورية في محلها بالفعل. نظرا لأن تلك المنطقة هي التي تسبب توافر المال ومحدودية الرقابة بها لإنتاج حالة من الفوضى المعلوماتية.

*خدمة «واشنطن بوست»