لهم «رامبو»ـهم.. ولنا «عالمدار»ـنا

TT

بولات عالمدار الذي كلفه راجي شاشماز قبل 8 سنوات بمهمة سرية هدفها الدفاع عن وحدة الأرض والشعب وحقوق الضعفاء في تركيا تحت عنوان «وادي الذئاب – الإرهاب» لم يكن ليعرف أن صيته وبطولاته وأداءه التلفزيوني جنبا إلى جنب مع الكاريه المتمم مماتي وعبد الحي وايهان، سيصل يوما إلى مشاهد الشاشة الصغيرة العربي مصحوبا بهذا القدر الكبير من التشجيع والدعم والإعجاب.

ما الذي حدا بالمشاهد العربي للتنكر لرأفت الهجان والالتحاق بمدرسة عالمدار على هذا النحو، وما الذي وجده في نجم المسلسلات البوليسية التركي هذا مع أن رسائله تأتي مدبلجة ومسرح الأحداث وتفاعلها هو إسطنبول بكل ما تمثل من كوزموبوليتية بعيدة عن البيئة والمحيط العربيين؟

ليست حتما حربه المعلنة على المافيا التركية وتجار المخدرات هي التي حملته إلى النجومية في العالمين التركي والعربي. هناك أيضا إصراره على رفع لواء الدفاع عن الفقراء والمضطهدين والمبعدين والناقمين على سياسات الإمحاء، واعتماد أسلوب لا يقل قساوة عن الأسلوب الذي تستخدمه قوى الشر هذه في مواجهتها معه. لا، بل إن تسامح المشاهد التركي والعربي المعجب بعالمدار تحول مع الوقت إلى مشكلة تتعمق بعدما بدأ يتجاهل ما تسبب به من أضرار اجتماعية ونفسية وأخلاقية بسبب حجم العنف والشدة ولغة السلاح التي يتبناها. حوادث مشابهة لما جرى في العراق أخيرا عندما أقدم أحد الأطفال على إطلاق النار على والده الذي رفض الاستسلام لبولات عالمدار الصغير، وقعت في أكثر من مكان داخل تركيا، وخسائر معنوية ومادية موجعة تستحق التوقف عندها أمام حجم الوحشية والإثارة ومقتل مئات الأشخاص بأبشع الأساليب حتى الآن في عشرات الحلقات التي قدمت حتى الآن.

نجاتي شاشماز في حياته العادية عاش وسط عائلة متواضعة في قلب الأناضول علمته التمسك بالعادات والتقاليد الأسرية وربطته بدينه ومحيطه وعصاميته. فشل في العودة إلى أميركا بعد انفجارات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 لمتابعة دراسته، فاختار أنقرة لتأسيس شركة تأمين وانتظار قدره في حمل هويته الجديدة باسم بولات عالمدار والانتقال إلى النجومية مع «وادي الذئاب – الإرهاب» و«وادي الذئاب – المصيدة» ثم «وادي الذئاب – العراق». وشاشماز في حياته التلفزيونية فقد أقرب الأحباء والأصدقاء في مواجهته التي بدأها مع رجال العصابات والمافيات ليوسع رقعتها إلى مواجهة مع أوكار الفساد والتآمر والتخريب وليحولها لاحقا إلى صراع إقليمي شامل مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأميركية في محاولة لردعها عن التدخل في شؤون تركيا والمنطقة.

عالمدار تحول إلى متنفسنا الاصطناعي في رؤية الأحلام تتحقق، وفرصتنا السريالية في استعادة الكرامة واسترداد ما سلب، ومركز الرد على مشروع اللاحول ولا قوة الأميركي سيلفستر ستالون «رامبو» الذي حارب إلى جانب الثوار الأفغان ضد جنود الجيش السوفياتي سينمائيا ليتحولوا بين ليلة وضحاها إلى جماعات خارجة عن القانون على أرض الواقع. مشروع «بولات» التركي كان الرد الأسرع على كل ذلك وبصناعة محلية متواضعة، لكنها سرعان ما تحولت إلى ظاهرة شرق أوسطية تحمل الكثير من فرص الأمل في التصدي والمقارعة. لا أريد أن أستبق الأحداث وأعكر مزاج عشاق المسلسل في العالم العربي، لكنني سأقول لهم إن عالمدار انتقم من السينما الأميركية مرة أخرى عندما حمل نجومها الكبار لمحاسبتهم على سياسات بلادهم، حتى ولو تم ذلك تلفزيونيا غير عابئ بدخول النجمة شارون ستون بلحمها وشحمها ومحاولة توسطها بانتزاع قبلة تاريخية لم تعن له الكثير، فخياره الأكبر هو البقاء بعيدا عن الجنس اللطيف الذي يعرقل مهمته التاريخية في إنقاذ البشرية. هاجم مبنى البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية لإنقاذ حياة طفل مساعده الأيمن مماتي، فأغضب الإسرائيليين، الذين ذكروه بأنه يقتحم أرضا تابعة لدولة أخرى، فرد متحديا: «لن تكونوا وحدكم بعد الآن من يقتحم الأماكن». غادر المبنى تاركا العلم الإسرائيلي ملطخا بالدماء، مما استفز داني أيالون ودفعه رسميا للاحتجاج لدى أنقرة ومحاولة الانتقام لكرامة بلاده بالتطاول على سفير تركيا لدى إسرائيل أوغوز شليك كول، فلم يتأخر عالمدار في الرد مجددا «لنضع الأعلام جانبا هذه المرة ونتحدث معكم باللغة التي تفهمونها لغة السلاح والقوة». لكن بولات لن يكتفي بذلك على ما يبدو، فهو يستعد للعب دور البطولة في فيلم سينمائي تحت عنوان «وادي الذئاب – فلسطين»، المشروع الذي توضع هذه الأيام اللمسات الأخيرة على إطلاقه وتحتل السياسة الإسرائيلية القمعية المتعجرفة مركز الصدارة فيه.

* كاتب وأكاديمي تركي