قانون أوباما للرعاية الصحية يدعم سلام الشرق الأوسط

TT

البيت الأبيض لم يلف خلافه مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في لغة دبلوماسية، بل تعمد إلقاء دلو الماء البارد عليه؛ بوصف روبرت غيبس المتحدث الرسمي، المحادثات بأنها «كانت صادقة ومباشرة حول نقاط الاختلاف» مما يعني استياء الطرف الذي يعطي المعلومات للصحافيين، أي البيت الأبيض.

الرئيس باراك أوباما لم يستقبل ضيفه أو يودعه عند الباب، ولم تلتقط الصور أمام المدفأة في لقاء الـ89 دقيقة، تبعه لقاء آخر (35 دقيقة)، بطلب من نتنياهو بعد إجرائه اتصالات تليفونية مع شركائه في إسرائيل، مما يشير إلى أنه وضع أمام خيارات محددة طلب منه الإجابة عليها.

أحزاب اليسار والوسط الإسرائيلية اتهمت نتنياهو «بالبصق في عين الرئيس الأميركي»، بشأن المستوطنات، بإعلان بلدية القدس، يوم لقائه بأوباما، بناء 100 شقة للمستوطنين في حي شيخ جراح بالقدس الشرقية (وهو حي فلسطيني خالص بخلاف مستوطنة رامات شلومو التي شيدت في الثمانينات) وهو ما لم تجرؤ حكومات يمينية سابقة (كحكومتي إسحق شامير وأرئيل شارون) عليه.

ضيق الرئيس أوباما بمحاولات نتنياهو اختبار صبره تشبه استياء إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون (1992-2000) منه في محادثات «واي ريفر» 1998 مع الفلسطينيين برعاية أميركية. وكاد الإسرائيليون يغادرون بعد فقدان كلينتون هدوءه عندما ربط نتنياهو العودة لتطبيق خطوات أوسلو، بالإفراج عن جوناثان بولارد.

بولارد أميركي الجنسية عمل في قسم تحليل المعلومات المخابراتية، عاقبته محكمة فيدرالية بالسجن مدى الحياة عام 1987، لتزويده إسرائيل بمعلومات تهدد الأمن القومي الأميركي، ومنحته إسرائيل جنسيتها عام 1995. اعتبر كلينتون الربط تدخلا وقحا في سيادة أميركا على مواطنيها وأمنها.

وكادت المفاوضات تفشل لولا تدخل الراحل الملك حسين بن طلال (1935-1999)؛ وكان يعالج وقتها من السرطان في مينابوليس؛ وقطع، رحمه الله، بالشجاعة ورباطة الجأش التي عرف بها طوال حياته، العلاج ليترأس جلسة مشتركة مع الرئيس كلينتون، جمعت الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني في واي ريفر، حيث وقعت مذكرة تفاهم (كتأكيد عملي لأوسلو) لم يلتزم بها نتنياهو؛ رغم أن الملك أقنع الرئيس كلينتون وقتها «بمنحه (أي نتنياهو) فرصة أخيرة» إنقاذا للسلام.

كان جلالته يشير إلى واحدة من حماقات نتنياهو المعهودة، وقعت قبل عام من ذلك التاريخ، عندما أمر مخابراته باغتيال الزعيم الحمساوي خالد مشعل (خلافا لنصيحة وتحذير قادة المخابرات الإسرائيلية أنفسهم) في أحد شوارع عمان بنفث سم في أذنه.

استشاط العاهل الأردني غضبا وقتها، واشترطت عمان على إسرائيل إيجاد الدواء المضاد للسم وتقديم الاعتذار ولمحات حسن النية للفلسطينيين، وإلا سيطرد السفير الإسرائيلي في 24 ساعة.

وكادت حكومة نتنياهو تسقط بعد أن عنفه معظم ساسة بلاده، ووصل الدواء في اليوم نفسه للمستشفى الأردني، واعتذر رئيس الدولة الإسرائيلية، عيزرا وايزمان (1924 - 2005) - وكان من قادة أنصار السلام مع الجيران - وقتها للملك حسين وأفرجت إسرائيل عن عشرات الفلسطينيين ومنهم زعيم حماس الراحل الشيخ أحمد ياسين (1937 - 2004) الذي ذهب في جولة بلدان إسلامية جمع فيها تبرعات فاقت ميزانية الإدارة الفلسطينية - مما دعم من قوة الحركة على حساب ياسر عرفات (1929 - 2004) وأدى إلى تبادل الاغتيالات والعنف وانهيار السلام.

وأثبتت الأيام أن عدم ثقة كلينتون بنتنياهو كان أكثر دقة من تسامح الملك حسين، حيث استمر نتنياهو في التطرف وإغضاب الجيران وتهديد عملية السلام - ورفضت ليا رابين، أرملة الزعيم الراحل إسحاق رابين (1922 - 1995) استقبال نتنياهو أو مصافحته للتعزية في زوجها واعتبرته مسؤولا عن إشاعة جو الكراهية الذي أدى بطالب إسرائيلي خبل التطرف عقله إلى اغتيال رابين بالرصاص أثناء احتفال بالسلام.

عمّق عزل إدارة كلينتون لنتنياهو شك الناخب الإسرائيلي فيه (أي نتنياهو)، مما أدى لنجاح إيهود باراك في انتخابات خاضها بالتعهد بالانسحاب من لبنان والسلام مع الفلسطينيين.

مناورة نتنياهو الأخيرة كانت محاولة إظهار تناقض بين البيت الأبيض والكونغرس في أولويات المصالح الأميركية (فموقف البيت الأبيض والخارجية والمثقفين الأميركيين الغاضب من إسرائيل، لا يعكس الرأي العام الأميركي الداعم لإسرائيل، وبالتالي رأي أغلبية الكونغرس). في خطابه للكونغرس حاول نتنياهو نقل بؤرة الاهتمام من الخلاف بينه وبين الرئيس الأميركي حول المستوطنات كمعرقل للسلام، إلى خطورة امتلاك إيران للأسلحة النووية على إسرائيل وعلى مصالح أميركا.

ورغم اتهام حزب العمل واليسار لنتنياهو ووزرائه «بالإصرار على إشعال حريق مدمر في المنطقة»، فمن المستبعد أن يندفع رئيس الوزراء الإسرائيلي (وهو انتهازي قد يدخل في مغامرة غير محسوبة لمجرد البقاء في الحكم) إلى توجيه ضربة عسكرية لبرامج إيران النووية. فالمختصون العسكريون يقدرون العملية الناجحة لتعطيل القدرات النووية لإيران لفترة معتبرة، بقصف جوي مستمر على مدى 24 ساعة، لفترة ما بين 10 أيام إلى أسبوعين، وهذا ليس في قدرة إسرائيل التي ستحتاج طائراتها إلى التزود بالوقود فوق أجواء بلدان لن تسمح بذلك.

نتنياهو لم يعبأ في البداية بتحذيرات المحللين الإسرائيليين بعدم تحدي أكثر رؤساء أميركا شعبية في العالم منذ الحرب الثانية، واعتمد في تقديراته على جناح المحافظين الجدد من الجمهوريين؛ لكن كسب الرئيس أوباما لتصويت الكونغرس بإصدار قانون الرعاية الصحية، والذي أدخله صفحات التاريخ، أعاد شعبيته الجارفة إلى الشارع الأميركي وثبته فوق كرسي الرئاسة في المكتب البيضاوي بشكل سيضطر نتنياهو وائتلافه إلى إعادة الحسابات.

الفلسطينيون، بزعامة الرئيس محمود عباس، يستطيعون وضع نتنياهو أمام خيارات محددة بمخاطبة الرأي العام الإسرائيلي مباشرة، باستغلال حرية التعبير (ملحق مدفوع الأجر يشرح الاستراتيجية الفلسطينية قبل بضعة أيام كان له وقع طيب بين القراء الإسرائيليين).

صحف اليسار كـ«هآرتس»، والوسط كـ«معاريف» سترحب بأقلام فلسطينية وبنشر مقالات مشتركة بين معلقين فلسطينيين وإسرائيليين.

فانتصار أوباما في معركة قانون الرعاية الصحية في الكونغرس، مع برود الغرب نحو إسرائيل (طرد لندن للمسؤول عن المخابرات في السفارة الإسرائيلية يوم الثلاثاء مثلا) سيزيدان من عزلة حكومة نتنياهو. فإما أن يتكرر سيناريو نهاية التسعينات وتسقط حكومته لينتخب الإسرائيليون حكومة تباركها واشنطن وتبدأ مفاوضات محددة الجدول؛ أو يضطر نتنياهو للائتلاف مع كديما وربما العمل، في حكومة أولويتها مصالحة البيت الأبيض بخطوات عملية لتطبيق حل الدولتين كخيار استراتيجي يضمن فيه الإسرائيليون الأمن بالسلام وليس بالتشدد.

النافذة المتاحة لن تظل مفتوحة طويلا ولذا فليسرع الفلسطينيون بالتعاون مع تيارات السلام الإسرائيلية وبدعم من إدارة أوباما التي اكتسبت قوة من تصويت الكونغرس بقبول قانون الرعاية الصحية.