هنيئا لنا صحوة الاعتدال العراقي

TT

سواء اعترف نوري المالكي بنتائج الانتخابات العراقية أو لم يعترف، فقد آن الأوان لنهنئ العراقيين، وأنفسنا، بالصحوة العراقية الجديدة، حيث أثبتت لنا الانتخابات العراقية الأخيرة أننا أمام عراق الاعتدال، والعقلانية، حيث اختارت شريحة عريضة من أبنائه، باختلاف مشاربهم، التصويت للكتلة «العراقية»، ذات الائتلاف العلماني، المتعدد الطوائف، وهذا يعني أن الشريحة العريضة بالعراق هي شريحة اعتدال، وضد انزلاق العراق، ككل، إلى أتون الطائفية والانعزال.

فعدم اعتراف المالكي بنتائج الانتخابات الأخيرة يعني أن المالكي يناقض كل ما قاله سابقاً عن العملية الديمقراطية، وسعيه لتطبيقها، حيث إن من يرضََ بالعمل الديمقراطي يجب أن يقبل بنتائج الاقتراع، سلباً أو إيجاباً، وليس التلحف بشعارات الديمقراطية حين تسير وفقاً لرغباته، ثم ينقلب عليها عندما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن! فإذا كان المالكي يعتبر أن هزيمته بفارق صوتين ليست بالهزيمة الحقيقية، فعلينا أن نتذكر ان الديموقراطية بفارق صوت واحد.

ولذا فإن فوز «العراقية»، بقيادة إياد علاوي، يعد مؤشراً على أن شريحة عريضة بالعراق تطمح إلى الاستقرار، وتوفير الوظائف، والبرامج الصحية، وكذلك التعليمية، مثلهم مثل جل البشر العاديين، المعتدلين؛ فالعراقيون يريدون حكومة تقدم لهم الخدمات، حكومة غير معزولة، ولا ترى أبعد من أنفها، مثل حكومة المالكي.

فما أظهرته الانتخابات العراقية يعد أمراً مبشراً بالخير لكل من هو حريص على العراق، والعراقيين، ولكل من هم تواقون لعودة هذا البلد إلى محيطه، بل وبيته العربي الكبير، بدلا من أن يبقى العراق محجوراً بزاوية جغرافية ضيقة، ليقوم بدوره المنتظر، والفعال. فقد آن الأوان لنرى حكومة عراقية معتدلة، ذات هم وطني جامع، لا حكومة لا تتوانى عن تصفية خصومها، وإقصائهم، سياسياً، بتهم جاهزة ومعلبة من الطائفية وغيرها، وللأسف فإن البعض ينسى أن نظام صدام حسين السابق كان يستسهل تخوين الجميع باسم العمالة للخارج، بينما استسهلت حكومة المالكي غير المأسوف عليها، تسليط سيف «البعث» على رقاب كل من اختلف معها.

ومهم جداً أن نتأمل ردود الفعل الأولية لكل من علاوي والمالكي لنرى الفارق الكبير بين الرجلين؛ فبينما اعتبر علاوي فوزه «نصراً للعراقيين الذين اختاروا الإجماع الوطني والتغيير وأعلنوا قبر المحاصصة الطائفية والسياسية»، مضيفاً أن «العراق يعبر عن استعداده لمد يد الأخوة لكل دول الجوار، سورية والسعودية وتركيا وإيران والأردن والكويت، على أساس التواصل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية»، يقول نوري المالكي، أو كما سميناه من قبل نجاد العراق، إن «النتائج التي أعلنتها المفوضية غير متوقعة وغير مقبولة»، ومشيراً إلى أنها «عكست تلاعباً كبيراً»، ومؤكداً أنه ماض في تشكيل الحكومة القادمة، و«غربلة» عدد من الفائزين الذين قال إنهم «إرهابيون» و«بعثيون»!

ومن هنا يتضح أن المالكي لا يزال ينظر إلى منافسيه السياسيين على أنهم «إرهابيون» و«بعثيون» ويريد غربلتهم، على الرغم من أنه ارتضى أن تكون صناديق الاقتراع هي الحكم بينه وبينهم. ولغة المالكي هذه لا تشبه إلا لغة صدام حسين الذي غربل العراق كله، وليس خصومه وحسب، ولذا نهنئ العراق والعراقيين، وأنفسنا، بصحوة الاعتدال العراقية أملا بغد أفضل.. غد لا مكان فيه لحكومة نوري المالكي، وأمثاله.

[email protected]