نداء من أجل الاستعمار

TT

طالب قارئ في إحدى الصحف الأميركية بأن توضع هايتي تحت إدارة كندا لمدة ثلاثين عاما، تدرِّب خلالها جيلا كاملا على الشفافية في الحكم، وتنشر التعليم، وتلغي الخرافات والاعتقاد بأن الأرواح تسكن الديوك والدجاج، وتمحو آثار الديكتاتورية الجاهلة.

هل هذه دعوة استعمارية قاسية؟ إليكم، إذن، البديل، 1 : 3 ملايين مشرد منذ الزلزال في يناير (كانون الثاني)، يعيشون في مخيمات الرعب. لا شرطة ولا أمن، بل سرقات وحالات اغتصاب بلا حدود. والأمطار حولت كل شيء إلى طين ووحل. والأكثر فقرا ضحية الفقير، والضعيف ضحية البائس. وبلد بأكمله ضحية عقود من سنوات الجهل والفساد والديكتاتورية الفظة والغبية.

يبدو تقرير لمنظمة العفو الدولية عن أحوال هايتي اليوم وكأنه وصف لجحيم في أسوأ المخيلات. والحكومة غائبة، والسياسيون اعتلال السياسة. وفي مقابل القصر الجمهوري في العاصمة يقوم مخيم يعلو فيه الصراخ والنواح. لقد هرع العالم في البداية إلى مساعدة هايتي لكنه فقد الحماس الآن. والحل ليس في أكياس الطحين والبطانيات وطائرات الإغاثة. الحل في مجهود دولي لإنقاذ البشرية من براثن الاستعمار الذاتي. استعمار الجهل والفقر والفساد وطبقة السياسيين المجرمين.

كم دولة في العالم في حاجة إلى انتداب إداري ينقذها من الهمجيات التي تعاني منها شعوبها. همجية الفقر وتخلف الخرافة وانحلال الأخلاق العامة ورمي اللقطاء على الطرقات وغياب المدارس والقضاء والقانون والأمل. لقد اختار القارئ المذكور كندا، لأنه بلد غير استعماري الإرث والتاريخ، ولأنه بلد متعدد قائم على التسامح وقبول الإثنيات. وماذا ينقص من بطولة الكونغو الوطنية إذا تراجع عدد الضحايا عن الملايين؟ وماذا يعيب قومية الكونغو إذا توقف الأبطال عن قطع أشلاء ضحاياهم ثم إرغامهم على أكلها قبل القضاء عليهم؟ وماذا ينقص قبائل التوتسي في الكونغو ورواندا وبوروندي إذا تعلمت أن المناجل لقطع العشب لا لقطع الرؤوس؟

الأمم المتحدة منهكة في هايتي وفي كل مكان آخر. بعد نصف قرن من الحرية دخل كثير من العالم الثالث في عبودية أكثر سوءا ورعبا. عبودية المواطن الذي أحل لنفسه ذبح وطنه ومواطنه. أحل لنفسه الحياة المستبدة والموت للآخرين. وهذه حالة تتعدى فكرة الحرية والاستعمار. هذا طاعون في حاجة إلى محاربة.