آفاق الأزمة بين أوباما ونتنياهو

TT

ما هي حقيقة الأزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية؟

ما هي حقيقة الأزمة بين باراك أوباما وبنيامين نتنياهو؟

لا نريد، ولا يجب، وليس من المصلحة، أن نستخف بهذه الأزمة أو نقلل من قيمتها ودروسها. ولكن من واجبنا، ومن مصلحتنا أن نفهم هذه الأزمة على حقيقتها. وهنا نقول: إنها أزمة تكتيكية. أزمة بين التكتيك السياسي الأميركي الذي يعبر عنه أوباما حول قضايا المنطقة، وأبرزها قضية المفاوضات والتسوية السياسية، وقضية التعامل مع إيران النووية. الرئيس الأميركي لديه تصورات ولديه مطالب، منها وقف الاستيطان بعامة، ووقف الاستيطان في القدس بخاصة. ومنها أن تقدم إسرائيل مبادرات حسن نية تجاه الفلسطينيين لتشجيع محمود عباس على العودة إلى المفاوضات غير المباشرة. ومنها إقرار إسرائيل بمطلب محمود عباس بأن أراضي 1967 ستكون مرجعية المفاوضات. أما نتنياهو، فإنه يرفض هذه المطالب الأميركية كلها، بل هو ذهب إلى حد الإعلان عن معارضته لكل هذه المطالب في خطاب علني داخل مؤتمر اللوبي اليهودي السنوي (إيباك). وقد أغضب هذا التعارض في المواقف أوباما، ودفعه إلى توجيه إهانات دبلوماسية لنتنياهو، مثل دخوله وخروجه «سرا» من البيت الأبيض من دون تصويره مباشرة. ومنها أنه رفع صوته في وجهه مبلغا إياه بأن سياساته تسيء إلى مصالح أميركا وعلاقاتها مع حلفائها. ومنها أنه غادر الاجتماع متوجها إلى منزله داخل البيت الأبيض، بينما كان نتنياهو يجتمع مع مستشاريه داخل البيت الأبيض أيضا.

لماذا يعلن نتنياهو اعتراضه على التكتيك الأميركي، رغم أنه خلاف بين السياستين وبين الرجلين، ولا يرقى أبدا إلى خلاف بين الدولتين، حيث يواصل البيت الأبيض ورجالاته، إعلان تأييدهم المطلق لإسرائيل وأمنها ومستقبلها وقوتها؟ ليس لأنه يريد معارضة أوباما، ومعارضته فقط، بل لأنه يدعوه في الوقت نفسه إلى قبول خطة تكتيكية أخرى، ترى إسرائيل أنها الخطة الأصح والأنسب. ويمكن تلخيص هذه الخطة التكتيكية الأخرى بكلمة واحدة هي إيران. إسرائيل تحاور الولايات المتحدة، وتريد أن تقنعها بجعل إيران هي الهدف السياسي المشترك بين الدولتين، ثم يتم بعد ذلك الذهاب إلى الموضوع الفلسطيني. ومفهوم نتنياهو بالذهاب نحو الهدف الإيراني يتلخص أيضا بكلمة واحدة هي الحرب، التي تتيح لإسرائيل أن تؤكد هيمنتها العسكرية في المنطقة بعد أن خسرت تلك المكانة. وأوباما هنا يرفض اقتراح التكتيك الإسرائيلي هذا بأكمله. يرفض أن تكون نقطة البدء بينهما هي إيران، ويرفض أن يقتصر أسلوب معالجة الموضوع الإيراني على الحرب، وبخاصة حرب تشنها إسرائيل بدعم أميركي.

والذي حدث على أرض الواقع في الأيام القليلة التي قضاها نتنياهو بين نيويورك وواشنطن، أن أوباما لم ينجح في إقناع نتنياهو، ونتنياهو لم ينجح في إقناع أوباما، وهكذا تصادم الموقفان وانفجر الخلاف. الشيء الوحيد والجديد الذي يميز هذا الخلاف، هو عناد نتنياهو، وميله للإعلان عن موقفه بطريقة تصل إلى درجة التباهي. وميله إلى استثمار هذا التباهي داخل إسرائيل لكي يظهر كبطل، بطل يتحدى رئيس الدولة الأكبر في العالم.

ولنتنياهو سابقة «نظرية» في هذا الأمر، فهو في كتابه «مكان تحت الشمس»، يتوقف أمام الرأي الإسرائيلي السائد والقائل بأن القائد الإسرائيلي لا يستطيع معارضة البيت الأبيض الأميركي، فيرفض هذه النظرية، ويعلن العكس، قدرة القائد الإسرائيلي على رفض تنفيذ ما يريده البيت الأبيض. والحقيقة أنه ما من قائد إسرائيلي عارض «تكتيك» الولايات المتحدة السياسي، إلا ودفع منصبه ثمنا لذلك. والحقيقة أيضا أنه حتى اللوبي اليهودي القوي والمتنفذ (إيباك)، كان ينحاز دائما إلى جانب البيت الأبيض الأميركي ضد قادة إسرائيل، في كل خلاف نشب بينهما، فاللوبي اليهودي تعبير عن مصلحة أميركية وليس موجها للسياسة الأميركية، كما يروج لذلك كثيرون.

وحول هذا الموضوع كتبت صحيفة «هآرتس» (آري شافيت: 25/3/2010)، أنه «عندما أصبح نتنياهو رئيسا للوزراء، أوضح في محادثات مغلقة أن مهمته هي: إيران، إيران، إيران. وانتقد بشدة فشل أسلافه في صد هذا التهديد، وآمن بأنه مكلف بمهمة». ويوضح الكاتب نقطة ضعف موقف نتنياهو بقوله إن معالجة موضوع إيران عسكريا «لا يمكن أن ينجح من دون تعاون أميركي - إسرائيلي وثيق، ولا يمكن أن ينجح عندما تكون إسرائيل منبوذة» دوليا.

هذا الأمر رغم بداهته ووضوحه، لم يلفت نظر نتنياهو بسبب خيلائه، مع أن الأمثلة على فشل مثل هذا الأمر، تكررت في الحياة السياسية أكثر من مرة، ودفع الذين كرروه الثمن دائما، وكان القائد السياسي الإسرائيلي يسقط في امتحان الاستمرار في السلطة (يسقط بطريقة ديمقراطية يخطط لها الأميركيون)، ويأتي بعده قائد إسرائيلي جديد (وبطريقة ديمقراطية أيضا يخطط لها الأميركيون).

هكذا سقط إسحاق رابين في السبعينات عندما عارض سياسة جيرالد فورد وجيمي كارتر وهنري كيسنجر في ذلك الوقت، وتم تدبير مكيدة شهيرة له، حين تم الكشف عن حساب سري لزوجته أثناء عمله سفيرا في واشنطن، حساب فيه خمسة آلاف دولار فقط لا غير، خلافا للقانون الإسرائيلي، فاضطر للاستقالة.

وسقط إسحاق شامير أيضا، حين عارض سياسة جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر، أيام الإعداد لمؤتمر السلام في مدريد عام 1991، كان شامير يرفض الذهاب إلى المؤتمر، وهدده بيكر، وذهب إلى المؤتمر مرغما ومعلنا أنه سيفاوض الفلسطينيين عشرين عاما (وقد تحقق ذلك فعلا)، ولكنه دفع الثمن غاليا بسقوطه، وبخلافة رابين له من جديد.

وسقط نتنياهو نفسه عام 1999، عندما استمع إلى نصائح المحافظين الأميركيين الجدد (قبل أن يحكموا)، وبادر إلى تفشيل مفاوضات التسوية السياسية (من 1996 إلى 1999)، واصطدم بسبب ذلك مع الرئيس بيل كلينتون، ودفع منصبه كرئيس للوزراء ثمنا لذلك، وخلفه إيهود باراك الذي ذهب إلى مفاوضات كامب ديفيد 2000.

وها هو نتنياهو يكرر التجربة نفسها، ومن دون أن يتعلم، ربما لأنه يراهن على قوى أميركية داخلية معارضة، تحاول العودة بأميركا إلى مرحلة سياسة المحافظين الجدد.

ولكن يبقى السؤال الأكبر: ماذا سيفعل أوباما بعد ذلك؟

إذاعة الجيش الإسرائيلي قالت إن لدى الوفد الإسرائيلي الذي ذهب إلى واشنطن تخوفات، من إقدام الإدارة الأميركية على خطوات تصعيدية ضد إسرائيل، تتعلق بمجالات التكنولوجيا والمساعدات والرقابة على المعلومات، ونقلت عن مصادر شاركت في المحادثات، أن جيمس جونز مستشار الأمن القومي لمح إلى ذلك. هذا سؤال.

وسؤال آخر: هل ستدع إدارة أوباما تقرير غولدستون يمر في مجلس الأمن من دون أن تستعمل الفيتو، فيدفع ذلك إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية لتحاسب على جريمتها في غزة؟

هذه أمثلة عما تستطيع أميركا أن تفعل، إن أرادت، لكي تضبط سياسة إسرائيل المنفلتة. وهي أيضا أمثلة عما يستطيع العرب أن يطلبوه من أميركا لتثبت حسن نيتها فيما تدعيه من سعي لحل فلسطيني عادل.