إن من البيان لسحرا

TT

ربما نجد ونحن نقلب موضوع الطرب وأثره على العرب أن تأثيره الكاسح يعود لامتزاج عنصرين أساسيين من عناصر الفنون لكل منهما قوته الإيقاعية المؤثرة. الأول هو الشعر، والثاني هو النغم. للإيقاع والقافية في الشعر العربي تأثير مغناطيسي رهيب على السامع أو القارئ. وعندما يمتزج هذا التأثير بأثر إيقاع النغم الموسيقي لا يملك الفرد العربي كليا غير أن يستسلم ويصبح أسيرا للأغنية في ذلك العالم الأرجواني، عالم الطرب.

كان ابن الرومي من عشاق الغناء والموسيقى، وقال الكثير في نجوم الطرب العربي، كما فعل بالمغنية وحيد:

وغرير بحسنها قال صفها..

قلت أمران هين وشديد

يسهل القول إنها أحسن الأشياء

طرا ويصعب التحديد

عيبها أنها إذا غنت الأحرار

ظلوا وهم لديها عبيد!

دفع سحر التزاوج بين الشعر والنغم المطرب العراقي كاظم الساهر إلى التباهي بأنه يعتمد دوما على شعراء مختصين يزودونه بحلو الكلام.

وكان هذا من أسرار سحر أم كلثوم، أن الله تعالى حباها بشعراء كأحمد رامي، ومتذوقين للشعر أغنوها بما عرفوه من درر الشعر العربي.

«أنت يا القاعد في قلبي، تعمل إيه لو القلب داب؟!»..

هل من كلمات أغنى من ذلك في بلاغتها ودعابتها وظرفها؟

استمعوا لتساجيل الجمهور العربي كيف يصرخون كالمجانين وهي تغني رباعيات عمر الخيام:

أولى بهذا القلب أن يخفقا

وفي ضرام الحب أن يحرقا

ما أضيع اليوم الذي مر بي

من غير أن أهوى وأن أعشقا

إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة. وهذا ما جعل أم كلثوم تتميز على سائر المغنيات العربيات، بمن فيهن فيروز، في قدرتها على التعامل مع كلمات الشعر العربي. ومن منا يستطيع أن ينسى إنشادها لكلمات أبي فراس الحمداني:

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر

أما للهوى نهي عليك ولا أمر

نعم أنا مشتاق وعندي لوعة

ولكن مثلي لا يذاع له سر