وقفة الأمير سلمان مع الوقف

TT

هناك مشروعان نجاحهما هو معيار لنجاح مؤسسات التعليم العالي في السعودية في الوقت الراهن؛ الأول هو الاعتماد الأكاديمي للبرامج (Accreditation)، الذي يعني اعتراف هيئات تعليمية دولية بالبرامج الأكاديمية التي تُدرّس في الكليات المختلفة، والثاني مشروع الأوقاف التعليمية.

تكمن أهمية هذين المشروعين بشكل خاص في أن الأول يُعنى بالشق الأكاديمي والآخر بالشق البحثي، وهما الشقان اللذان يمثلان ركيزتي عمل مؤسسات التعليم العالي في كل العالم.

في جامعة الملك سعود بالرياض، بدأ العمل على المشروعين معا قبل نحو سنتين، ولهما تقريبا نفس العمر، الاعتماد الأكاديمي ستظهر نتائج العمل عليه بداية العام القادم، وسيستمر تطبيق معايير هذا الاعتماد لتكون منهجا وأساسا لجودة البرامج التعليمية في الجامعة إلى ما لا نهاية. أما الأوقاف، هذه الفكرة العظيمة والأصيلة الأشبه بالعصا السحرية، فهو موضوع لا حدود للحديث عنه.

لأكون أكثر شفافية، فأنا كغيري عشت فترة التغيير الحاصل في جامعة الملك سعود، وحاولت أن لا تلهيني الدهشة والبهجة عن المشاركة في التغيير، فالجامعة كانت كالفرس الذي يمشي الهوينى ثم تحولت إلى فرس جموح، انطلقت تسابق الريح، ويبدو أن الريح ليست بسابقتها، فهل كان بأيدينا أن نكون الأفضل ولم نكن إلا الآن؟

ربما، ولكن الحديث عن المستقبل في بعض الأحيان أكثر متعة وأقل شجنا من حديث الماضي.

لم يكن لجامعة الملك سعود أن تكون جامحة بثقة لولا أن العقبات الصعبة التي كانت تتعثر بها قد أزيحت، ولم يزحها إلا الإرادة السياسية التي وضعت الاهتمام بالتعليم من أولوياتها فهانت بعد ذلك كل الصعاب.

أقول ذلك وأنا أرى أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز يترأس اللجنة العليا لأوقاف جامعة الملك سعود التي بلغت أصول تبرعاتها منذ سنتين وحتى الآن 3 مليارات ريال سعودي، لتسطر على يده أهم حقبة في تاريخ الجامعة منذ تأسيسها وحتى اليوم، حقبة الثقافة التنموية الجديدة، وهي تسخير رأس المال لينمو في حضن العلم.

مشروعات برنامج أوقاف جامعة الملك سعود الإنشائية تضمنت أبراجا سكنية وفندقية وصحية ومكتبية، ومقرات للمؤتمرات والاحتفالات ومراكز تجارية وترفيهية، وهذه المنشآت الهائلة تقف في أهم موقع جغرافي في مدينة الرياض، عند التقاء طريق الملكين؛ عبد الله وخالد أبناء الملك عبد العزيز، مطلة شمالا على مدينة (الدرعية) التاريخية العريقة، وجنوبا تستشرف المستقبل؛ واحة الأمير سلمان للعلوم.

والأوقاف التعليمية رغم كونها أساسا لدعم البحوث العلمية ووسيلة تمويل مستقرة للجامعة، فإني أرى أن قيمتها الأكبر في كونها تحمل مفهوما جديدا حول الموقف من التعليم من خلال اجتماع مصلحة رجل الأعمال بمصلحة الأكاديمي على نفس الأرض، مما يعني تحقيق شراكة مجتمعية قلما نجدها في أي قطاعين مختلفين، مع الإشارة إلى أن المشاركة في الأوقاف ليست حكرا على رجال الأعمال فقط، بل كل فرد في المجتمع مؤمن بقيمة الاستثمار في عقل الإنسان وتحويل مخرجاته إلى ذهب، فكل مشارك في مشروع الوقف هو شريك استراتيجي في كل نجاحات الجامعة الآنية والمستقبلية، وهنا يتجلى دور الإعلام ودور رجال الدين معا في حث المجتمع على اتخاذ طريق عملي للعمل الخيري خاصة في بلد يتميز أبناؤه بالتكاتف والتعاضد وعمل الخير كما وصفهم أمير الرياض.

إن جامعة الملك سعود هي ابنة الرياض الجميلة والمثقفة، رعايتها ورفعتها يهدف لجعلها نموذجا محليا وعربيا ودوليا، وليس فقط لتسجيل نجاحات خاصة بها. وعندما ترعى شخصية كأمير منطقة الرياض أهم مشروع استراتيجي في جامعة الملك سعود، ويوليه اهتماما خاصا ويكرم أعضاءه الفاعلين، ففي هذا دلالة على دعمه المطلق والمنطلق من قناعته بالمشروع، وثقته بفكر قيادات الجامعة، لتكون قدوة للجامعات السعودية والعربية، فتحذو حذوها وتتبنى السياسة ذاتها، إن أرادت لنفسها الخير ذاته.