ماذا نجني من حرية الصحافة؟

TT

حرية الصحافة التي أعنيها هي الحرية المسؤولة، التي تلتزم بالمصداقية، والعقلانية، والموضوعية، بعيدا عن الإثارة والتهويل والمبالغة، فالصحافة على هذا النحو يمكن أن تكون عيون المسؤول والمجتمع لمعرفة ما يحدث، وكيف يحدث، ولماذا، ولو نظرنا إلى الصحافة السعودية - كمثال - فإنها استطاعت في الأعوام الأخيرة أن تلعب دورا فاعلا وهاما في مناقشة الكثير من المسائل الجوهرية مثل: التطرف، والفساد، والبيروقراطية، والعدالة وحقوق الإنسان، وغيرها من القضايا التي أشعرت الكثيرين بأن ثمة دورا أساسيا تلعبه الصحافة في خدمة قضاياهم، والتعبير عن آرائهم، وأكاد أجزم بأن القيادة السعودية هي الأكثر تقديرا واعتزازا وإدراكا لأهمية هذا المنجز الصحافي، ففي مناخات الحرية الصحافية كل القضايا تأخذ طريقها إلى السطح، وتنال حصتها المستحقة من الاهتمام.

في ظل حرية الصحافة تشعر قطاعات المسؤولية، الأفضل أداء بأن ثمة تعزيزا، ودعما، ومساندة لدورها، كما تستشعر قطاعات المسؤولية، الأقل أداء أن قصورها يقع في دائرة الضوء، وعليها أن تتحمل تبعات ذلك أمام المسؤول والمجتمع. حرية الصحافة يمكن أن تسهم في خلق أجواء أكثر التزاما، ورقيا، وتطورا، حتى القطاعات التي ظلت طويلا تمارس أدوارها بعيدا عن عيون الإعلام ستجد في شحنات الضوء التي تسلطها عليها الصحافة - رغم قلقها منها - حافزا للتجويد والتطوير والنهوض. في ظل حرية الصحافة المسؤولة، والمحكومة بإطار المهنية وضوابطها الأخلاقية والقانونية لا خوف من أن تتحول الصحافة إلى أدوات تشهير، واعتداء، وتسلط، فالصحافي في ظل هذه الحرية ليس فوق القانون.

لست هنا في مقام الإشادة بما تحقق للصحافة السعودية في الأعوام الأخيرة، فما تحقق كبير بكل المقاييس، وما ينتظر تحقيقه - أيضا - كبير بكل المعايير، ولكن ما يلفت النظر صدق الخطوات التأسيسية لهذه الحرية المسؤولة، التي يمكن أن يبنى عليها الكثير مستقبلا لتكون حرية صحافتنا أداة بناء، ووسيلة نهوض، وعامل ارتقاء، خاصة أن تجارب بعض دول العالم الثالث مع حرية الصحافة تجارب سلبية، تحولت معها حرية الصحافة إلى فوضى مطلقة، وتحولت الصحف إلى مصانع لإنتاج الشائعات، وترويج الفضائح، وتسطيح الفكر، وإثارة الفتن.

وباختصار يمكن القول: إن حرية الصحافة هي حرية الإنسان.

[email protected]