أثبت الديمقراطيون قدرتهم على ممارسة الحكم.. فهل بإمكانهم الاستمرار؟

TT

من خلال تمرير قانون إصلاح الرعاية الصحية، نجح الديمقراطيون، الذين أحيانا ما كانوا يبلون بسوء الحظ، وغالبا ما كان اليأس يتملكهم، في تحويل أنفسهم إلى أمر لم تشهده أميركا منذ عقود: حزب حاكم. وعبر تمريرهم أهم تشريع اجتماعي في تاريخ البلاد منذ ستينات القرن الماضي، تخلص الديمقراطيون من طريق مسدود ظل قائما منذ منتصف فترة رئاسة رونالد ريغان. كما نجحوا في إعادة المصداقية لفكرة تكاد تكون غريبة عن الأذهان الآن، وهي أنه رغم تنامي دور المال في الحياة السياسية أكثر من أي وقت مضى، تبقى للانتخابات أهميتها أيضا.

وترجع هذه الصحوة في جزء منها إلى قرار الديمقراطيين تنشيط قاعدتهم. الملاحظ أن «أوباما من أجل أميركا» ـ وهي منظمة تضم 13 مليون عضو من أنصار الرئيس ـ دخلت في حالة من السبات بعد انتخاب باراك أوباما. إلا أنها استعادت نشاطها في الأسابيع الأخيرة وبذلت جهودا كبرى لحشد تأييد المشرعين الذين لم يكونوا قد حسموا رأيهم بعد. وبعث أعضاء المنظمة مليون رسالة نصية وأجروا نصف مليون مكالمة هاتفية لديمقراطيين مترددين خلال الأيام العشرة السابقة لإجراء التصويت على القانون داخل مجلس النواب، الأحد. إضافة إلى ذلك، كثفت النقابات والمنظمات الأخرى التي كانت تضغط بالفعل على المشرعين الديمقراطيين لتأييد التشريع جهودها خلال هذه الفترة.

بطبيعة الحال، لم يكن أي من هذا ممكنا لو كان الرئيس قرر التراجع عن قوة مواقفه في أعقاب فوز الجمهوري سكوت براون في انتخابات مجلس الشيوخ في ماساتشوستس في يناير (كانون الثاني) الماضي، مما حرم الديمقراطيين من أغلبيتهم الكبرى داخل المجلس التي بلغت حد 60 صوتا. وجاء إصرار الرئيس على مشروع قانون ضخم يكفل تغطية تأمينية شاملة ـ وهو موقف شجعته على التمسك به نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب ـ ليحفز منظمات عدة تمثل القاعدة الجماهيرية للإعلان علانية عن تأييدها لمشروع القانون، حتى في الوقت الذي طلبت من البيت الأبيض إعادة تنشيط المجموعة الهائلة من أنصاره.

في خضم ذلك، تحول أوباما وبيلوسي إلى قوة تشريعية لم يعاين الديمقراطيون مثلها من قبل منذ عهد ليندون جونسون. ويعد إسهام بيلوسي، الذي لا يقل في حجمه عن إسهام أوباما، تاريخيا بمعنى الكلمة. ورغم أن القرن الماضي شهد تولي كثير من الديمقراطيين البارزين رئاسة مجلس النواب ـ مثل سام رايبورن وتيب أونيل ـ فإن أحدا منهم لم تتزامن رئاسته مع حقبة إصلاح كبرى، بينما رؤساء المجلس الذين عاصروا مثل هذه الحقب بالفعل، مثل هنري ريني وجوزيف بيرنز خلال حقبة «الاتفاق الجديد»، وجون مكورماك في الستينات، لم يضطلعوا بدور يذكر في سن التشريعات التاريخية المميزة لهذه الفترات. وعليه، تعد بيلوسي أول رئيس لمجلس النواب منذ أكثر من 100 عام تضطلع بدور أساسي على نحو يتعذر الاستغناء عنه في تمرير إصلاح ضخم.

ومع ذلك لم يتمكن أي من بيلوسي وأوباما والمنظمات الديمقراطية من حشد تأييد جميع أعضاء الحزب الديمقراطي. الملاحظ أن غالبية أعضاء مجلس النواب من الديمقراطيين الذين صوتوا بالرفض ضد القانون ينتمون إلى ضواحي يهيمن على سكانها البيض من أفراد الطبقة العاملة الذين نظروا إلى الإصلاحات الديمقراطية منذ ستينات القرن الماضي باعتبارها مصممة لمساعدة «أناس آخرين»، خاصة أصحاب البشرة السمراء. جاء 18 من إجمالي الديمقراطيين الـ34 الذين صوتوا بالرفض ضد القانون من ولايات جنوبية أو ولايات سبق وأن تورطت في الحرب الأهلية: ثلاثة منهم (مايكا مكماهون وستيفين لنتش ودان ليبينسكي) ينتمون إلى ضواحي حضرية (ستيت آيلاند وساوث بوسطن وجنوب غربي شيكاغو، على الترتيب)، التي شكلت منذ فترة بعيدة جيوبا عنصرية للبيض المعروفين بحدة مشاعرهم العنصرية (على سبيل المثال، تشتهر ساوث بوسطن وجنوب غربي شيكاغو بمقاومتهما، العنيفة في بعض الأحيان، لجهود الاندماج العنصري).

إلا أنه ينبغي على أي عضو ديمقراطي دءوب في الكونغرس العمل على مكافحة المعارضة الآيديولوجية والعنصرية التي استهدفت إصلاحات حزبه ورئيسه من خلال توضيح لأبناء دائرته الانتخابية أن السياسات التي أقرت، الأحد، لا تستهدف فئة عنصرية معينة، وإنما تتميز بطابع شامل، بما في ذلك بعض الإجراءات التي ستصبح سارية قبل انتخابات التجديد النصفي، ومنها حظر استثناء الأطفال من الفئات التي كانت مستثناة من قبل من التأمين الصحي، وحظر فرض حدود على المدفوعات المتعلقة بالتأمين السنوي والتأمين مدى الحياة، وحظر إسقاط جهات التأمين لأفراد ملتحقين لديها عندما يمرضون، والسماح للأطفال بالبقاء تحت المظلة التأمينية الخاصة بالوالدين حتى يبلغوا الـ26، ومطالبة الجهات المؤمنة بتغطية الأموال التي يدفعها المؤمن عليه مباشرة إلى جهة توفير الرعاية الطبية فيما يخص الرعاية الوقائية.

كي يمضوا في طريقهم كحزب حاكم فيما بعد نوفمبر (تشرين الثاني)، يجب أن يطبق الديمقراطيون الدروس التي استفادوها من انتصارهم المرتبط بقانون إصلاح الرعاية الصحية على القضايا الأكثر شعبية. إنهم بحاجة لإقامة وكالة قوية لحماية المستهلك وكبح جماح أعمال المضاربة التي تقوم بها المصارف، وهي قضايا يبدي بعض أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين رفضهم لتأييدها. يجب أن يعمل باقي أعضاء الحزب على ممارسة ضغوط مستمرة على هذه المجموعة، مثلما فعلوا مع من ساورهم التردد حيال قانون الرعاية الصحية. وعلى الديمقراطيين السعي لاستصدار مزيد من التشريعات المتعلقة بالوظائف، ولتكون البداية بمشروع القانون الذي طرحه النائب جورج ميلر، من كاليفورنيا، لإنقاذ وظائف في مجال التدريس والسلامة العامة داخل كثير من الولايات، ومشروع القانون الذي تقدمت به روزا ديلورو، عضو مجلس النواب من كونيكتيكت، لإقامة مصرف يعنى بالبنية التحتية لإحياء قطاع البناء والتشييد على مستوى البلاد.

حتى لو خسر الديمقراطيون في تصويت أو اثنين فيما يخص مثل هذه القضايا، فإن هذه القضايا تحظى بشعبية واسعة تمتد إلى ما وراء قاعدتهم الجماهيرية، والمؤكد أن المعارك التي ستدور حولها ستحقق تعبئة في صفوف الناخبين من المواطنين العاديين. إنها قضايا جديرة باهتمام حزب حاكم؛ خاصة إذا ما كانت لديه الرغبة في الاحتفاظ بهذه المكانة.

* خدمة «واشنطن بوست»