مشروع قانون الرعاية الصحية: فوضى رائعة

TT

«هذا هو التغيير» هكذا قال الرئيس الأميركي باراك أوباما بعدما نجح في أن يحقق ما أخفق أسلافه بيل كلينتون وليندون جونسون وهاري ترومان في تحقيقه. ففي يوم الأحد، حيث أصبح الإصلاح الشامل لنظام الرعاية الصحية واقعا، لم يقدر بعض الناس أن يتحمل ما رأوه بأعينهم.

وبعد الظهيرة، احتشد متظاهرون من حركة «حفلات الشاي» أمام مبنى «الكابيتول»، وهو مقر الكونغرس الأميركي، وبدأوا يرددون شعارهم المألوف «دمروا مشروع القانون هذا». وعج المكان باللافتات المعتادة حول الاشتراكية والاستبداد والتهديد الملموس لكل ما فيه الخير والصلاح. هناك زعم بأن هذه الحركة تشمل أتباعا من الأفارقة الأميركيين والهسبانك، المتحدرين من بلدان أميركا اللاتينية؛ ربما يكون ذلك صحيحا، لكنني لم أر هؤلاء الأتباع.

وتجمعت مجموعة أخرى أصغر حجما وأكثر تنوعا بالقرب من المكان لتأييد تشريع الرعاية الصحية. وقال المنظمون إنهم خططوا لهذه التظاهرة الحاشدة أثناء الليلة الفائتة من أجل إظهار أن الرافضين لم يكونوا الأميركيين الوحيدين الذين لديهم مشاعر قوية بشأن هذه القضية.

وفي يوم السبت الماضي، جرى نعت عضو مجلس النواب جون لويس (ديمقراطي من ولاية جورجيا)، وهو أحد الأبطال العظام في حركة الحقوق المدنية، بالصفة البغيضة، وهي «زنجي»، عندما كان يمشي بجوار تجمع حركة «حفل الشاي». كما تعرض إيمانويل كليفر الثاني (ديمقراطي من ولاية ميسوري)، ذي البشرة السوداء كذلك، إلى الازدراء. وتعرض عضو مجلس النواب بارني فرانك (ديمقراطي من ولاية ماساتشوستس)، وهو من المثليين، إلى الإهانة بما أظن أنه كلمة بذيئة.

وكان لدى معظم المعارضين من الجمهوريين لإصلاح نظام الرعاية الصحية من اللياقة - والحس السياسي - أن يتنصلوا من الهجمات العنصرية والمنطوية على كراهية للمثليين. وعلى نحو لا يصدق، لم يفعل البعض ذلك. وصرح عضو مجلس النواب عن ولاية كاليفورنيا ديفين نونيس لشبكة «سي سبان» التلفزيونية: «حسنا، أعتقد أنه عندما تستخدم الأساليب الديكتاتورية، فكما تعرف تبدأ الشعوب في التصرف بجنون. وأعتقد، كما تعرف، أن هناك شعبا يتمتع بكل الحقوق في أن يقول ما يريد. وإذا كانوا يريدون تشويه سمعة شخص ما، فإنهم بمقدورهم فعل ذلك». ورفض عضو مجلس النواب عن ولاية آيوا، ستيف كينغ، على نحو غير جاد هذه الواقعة، وقال: «لا أعتقد أن الأمر وصل إلى هذه الدرجة.. هناك الكثير من الأماكن في هذا البلد لا أستطيع أن أمشي فيها. لن أعيش حتى أصل إلى الجانب الآخر منها».

وإذا كان لمحاولة الترهيب تلك أية آثار، فبكل وضوح سيكون هذا الأثر هو تقوية عزم الديمقراطيين. ففي يوم الأحد، وبعد الاستماع لنداء لويس للقيام بتحرك، مشت القيادة الديمقراطية جنبا إلى جنب في نفس الطريق في الوقت الذي وجه فيه المتظاهرون بحركة حفل الشاي الإهانات والسخرية. ومشت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى جانب لويس وحملت صخرة كبيرة الحجم أعطاها لها النائب جون دينغيل (ديمقراطي من ولاية ميتشيغان)، عميد مجلس النواب. وامتثلت بيلوسي امتثالا حرفيا لنصيحة تيودور روزفلت، أول رئيس أميركي يدعو إلى نظام رعاية صحية شامل؛ وهذه النصيحة هي تحدث بهدوء واحمل عصا كبيرة.

وعندما بدأ مجلس النواب نقاشه الأخير، كان هناك بالفعل شعور بأنه على وشك القيام بعمل تاريخي. وفي الجولات الكثيرة التي قامت بها النائبة ديبي واسرمان شولتز (ديمقراطية من ولاية فلوريدا)، والتي تعاني من السرطان، بين الدور الذي يقع فيه مجلس النواب ومكتب رئيسة المجلس، قالت إن النضال من أجل إصلاح نظام الرعاية الصحية كان أحد الأسباب التي خاضت من أجلها انتخابات الكونغرس. وأضافت: «سيكون من الصعب نسيان هذا اليوم».

وعندما سألت النائب بوبي سكوت (ديمقراطي من ولاية فيرجينيا) كيف سيكون رأيه في هذا التصويت بعد سنوات، ابتسم وقال: «بعد سنوات من الآن، سنتذكر جميعا ما حدث في الماضي ونقول إن ذلك كان يوما من الأيام التي كنا نستحق فيها اللعنة».

وبمرور الساعات، بدت الحالة النفسية على الجانب الجمهوري من الممر - والذي كان مدعوما طوال اليوم تقريبا بهتافات حركة حفل الشاي بالخارج - وكأنها تنكمش.

وفي البيت البيض، كانت هناك سعادة غامرة عقب التصويت النهائي، حيث تُوجت سياسة أوباما، التي لاقت الكثير من الانتقادات وهدفت إلى المضي قدما في إصلاح الرعاية الصحية على الرغم من الأزمة الاقتصادية، بنصر تاريخي. وأثبت الأسلوب الذي تبناه أوباما، وهو ترك الكونغرس يشكل التشريع، صحته. كما حظي وعده بالتغيير بأهمية جديدة.

وحتى عندما يتم تقديم «التعديلات» التي يجب أن يصادق عليها مجلس الشيوخ، فإن مشروع قانون الرعاية الصحية لا يزال يمثل شيئا من الفوضى، لكنها الفوضى الرائعة، لأنها تكرس المبدأ الذي يقول إن جميع الأميركيين يتمتعون بالحق في الرعاية الصحية، وهو ما يعد بمثابة إنجاز استثنائي من شأنه أن يقود هذا البلد نحو الأفضل.

وقد يأخذ الأمر سنوات لإصلاح التفاصيل، حيث إن الإصلاحات الحديثة ستحتاج إلى إصلاح أو على الأقل إلى تغييرات بسيطة، ولن يكون ذلك معركة سهلة. بيد أن الحركات الاجتماعية التي سمحت لأوباما أن يصبح رئيسا للبلاد ولبيلوسي أن تصبح رئيسة مجلس النواب أثبتت أن قوس التاريخ ينحني تجاه العدالة والشمول. يجب ألا يواجه التغيير المطلوب معوقات، حتى إذا كان من الصعب على بعض الناس أن يتقبلوه. لقد صحح أوباما الأمور في تصريحاته التي أدلى بها عقب التصويت، حيث قال: «لم نخش مستقبلنا. لقد شكلناه بأنفسنا».

*خدمة «واشنطن بوست»