غسل.. وتنظيف على البخار!

TT

هناك فارق بين قانون «من أين لك هذا؟» وقانون «يخرب بيتك كيف جاك كل هذا؟!» الأول واضح أنه يدعو لمكافحة الفساد ومنع استغلال المنصب والسلطة لمنافع شخصية ولمصلحة مادية. والثاني وهو طبعا من باب الدعابة وافتراضي بحت، يحاول محاربة غسل الأموال وتبييضها للغير.

البحرين أقدمت على خطوة جريئة جدا تليق بها كمركز مالي مرموق وعريق، وله إرث من الحوكمة والتشريعات المحترمة، وذلك بإعفاء أحد وزرائها وتوجيه التهم إليه من قبل النائب العام بغسل الأموال (بالإضافة إلى مجموعة من التهم الأخرى. وكما كان واضحا من لائحة الادعاء أن المحققين في البحرين شكلوا قاعدة بيانات مميزة ودقيقة لتحركاته ومقابلاته وتسجيلاته، ولديهم أدلة دامغة تدين الرجل.

ويأتي هذا التطور المهم والبنك المركزي البحريني، ومن خلال النائب العام هناك، يحقق ويقاضي ويتهم شخصية اقتصادية خليجية معروفة بتهمة غسل الأموال والتزوير، مما يدل على أن البحرين أخذت خطا تصاعديا في مواجهة جرائم غسل الأموال، التي يعود نتاجها الأصلي من عوائد الاتجار بالمخدرات والجنس والدعارة والسلاح والخمور والقمار والسلع المغشوشة والمحظورة.

والبحرين بهذه الخطوة الجريئة تنتقل من الحيز «النظري» للتعامل مع هذه المسألة إلى المواجهة القانونية العملية المباشرة، وهي تعتقد أن فصل مسؤول تنفيذي لديها ومحاكمته ومجابهته بما عليه من أدلة «في العلن» سيحسب لها ويسجل لصالحها مستقبلا في خانة الشفافية والحوكمة بدلا من التكتم والإنكار والصمت، وهي وسائل مريحة وآنية ولكنها باهظة التكلفة لاحقا.

وسائل وطرق غسل الأموال تطورت مع تطور وسائل رصدها بشريا وإلكترونيا. وبالتالي بات «الغسالون» بحاجة لواجهات أكثر «ملاءمة» تحقق الأهداف، فتمكنهم من الغسل نفسه كهدف أساسي وتكسب تعاطف الناس معهم عبر إطلاق المشاريع الكبرى كالمستشفيات والمدارس والجمعيات أو حتى «شركات».

ولكن الشركات في واقع الأمر ما هي إلا مخازن لتكديس المعدات والآليات وبلا مشاريع! وطبعا كل هذا يتم بمهارة وحرفية عالية، فيتم تعيين بعض شركات الاستشارة الإعلامية وخبراء العلاقات العامة «لتزييف» كل ذلك وإجبار العامة على هضمه وقبوله، وبالتالي تحويله إلى كائن «شرعي».

وروى لي أحد الأصدقاء من إحدى الدول العربية عن شخصية مريبة قام باستغلال وفاة ابنه في حادث، ووضع اسمه على شركاته ليكسب تعاطف الناس، بينما كان هو «شغال غسل وتنظيف على البخار في الفلوس» وذلك بحسب وصف الساخر للرجل.

حسنا فعلت البحرين بخطوتها الأخيرة هذه وهي خطوة سليمة وجريئة ترفع - وبقوة - سقف المسموح به في التعاطي مع جريمة العصر الخطيرة؛ وهي غسل الأموال، وليكون الشعار الجديد: مع التحقيق في الغسل «ما في مستحيل»!

[email protected]