سيدة الزهور

TT

كم مرة قرأت هذا السؤال: «ما الكتاب الذي أثر فيك أكثر من سواه؟»، أو «ما الذي دفعك إلى الكتابة»، أو «متى قررت أن تكتب؟». كان جان جينيه لقيطا رزقت به ساقطة وتخلى عنه والده، فتنقل يعيش في كنف عائلات تتصدق في تبنيه. مارس جميع أنواع الانحراف ودخل جميع أنواع السجون وحكم بالإعدام، لكن أدباء فرنسا الكبار توسلوا له العفو الرئاسي. وانضم إلى «الفرقة الأجنبية»، لكنه سرح بتهمة الشذوذ. على أن صاحب هذه السيرة البالغة السوء تحول إلى أحد أشهر كتاب فرنسا، وإلى موضوع كتاب وضعه جان بول سارتر، ودراسات وضعها كتاب في حجم جان كوكتو، وانتهى ناشطا سياسيا ومؤلفا لكتاب مؤثر عن مذبحة صبرا وشاتيلا.

كيف تحول اللص الصغير إلى كاتب كبير؟ كانت في السجن مكتبة خاصة يستعير منها النزلاء كتابا واحدا في الأسبوع، ويتبادلون الكتب في ما بينهم. ذلك الأسبوع كان دور جينيه في استعارة كتاب «في بستان كثير البراعم» لمارسيل بروست. قرأ فقط بضع صفحات منه وجلس يكتب «سيدة الزهور». لم يأت دور جينيه طوعا في استعارة الكتاب، فقد تأخر في التمارين الرياضية ووصل المكتبة متأخرا، فلم يجد سوى الكتاب الذي رفضه جميع السجناء الآخرين!

راح جينيه يقرأ الصفحات ببطء، لا يريدها أن تنتهي: «لقد شعرت بسكينة عجيبة، وأدركت بعد الآن أنني سوف أنتقل من إبداع إلى إبداع». وفي دخلته قرر أن يكون هو بروست الطبقات المنبوذة. وهكذا بدأت سيرة أدبية طويلة.

كان بروست قد حمل ذلك الكتاب إلى أحد أهم مؤلفي فرنسا في تلك المرحلة، آندريه جيد، الذي كان أيضا صاحب دار نشر. قرأ جيد الكتاب ورفض نشره. فليبحث هذا عن دار أخرى.

لم يكن هذا رأي جيد وحده، بادئ الأمر، بل رأي معظم الأدباء. لكن مارسيل بروست تحول إلى أسطورة الأدب الفرنسي في القرن العشرين بعد عام واحد من وفاته، 1923. جميع الذين كانوا يسخرون منه ويرفضون رفقته صاروا يتباهون بأنهم كانوا يعرفونه، وكانت الروائية كوليت أكثر من سخر منه في بعض أعمالها، وأشارت إليه بـ«الغلام»، لكن زوجها رجاها أن تستبدل «الصبي» بـ«الغلام».

لم يكن جان جينيه الوحيد الذي تحولت حياته الأدبية بفعل من تأثير بروست، لكنه كان المثال الأكثر غرابة. لقد ألغى بروست كل الجيل الذي سبقه من روائيي باريس.