احذروا «رفسات» الخائبين

TT

خلال حرب السنوات الثماني، وبعد انقلاب التوازن الاستراتيجي لصالح العراق، استخدم مصطلح «احذروا رفسة البغل المحتضر»، في إشارة إلى المفاجآت التي قد تحدث من قبل الذين أصروا على مواصلة الحرب، وكانت النتيجة معروفة. واليوم تتكرر الحال بطريقة ربما تكون مماثلة لما سبق، فبعد فشل الفئويين في استثمار موارد الدولة لتحقيق غاياتهم في الانتخابات ظهر من يهدد بقطع النفط عن بغداد، وظهر من يلوّح باستخدام القوة وإثارة الاضطرابات، وهم يعرفون أكثر من غيرهم أن تهديداتهم لا تتعدى «رفسات» الخائبين. ومع ذلك ينبغي الحذر والتحسب.

وقبيل ساعات من صدور نتائج الانتخابات وجه السيد مقتدى الصدر نقدا لاذعا إلى المالكي، يعكس حالة النفور من محاولات الاستئثار بالسلطة والالتفاف على الديمقراطية، محذرا من التلويح بالإرهاب السياسي وإرهاب الدولة، ومطالبا برفض الانجرار خلف النزوات والأهواء السلطوية. كما كانت انتقادات السيد عمار الحكيم واضحة بإيجابياتها أيضا. وليس من المنطق تفسير هذه المواقف بتصفية حسابات سابقة، بقدر ما ينبغي تفسيرها بإدراك خطورة نهج المالكي على مستقبل العراق.

لم تكن الانتخابات ونتائجها بمستوى الطموح، حيث غلبت مسحة التصويت للطوائف، عدا ما حققته القائمة العراقية التي صوّت مئات آلاف العرب السنة لشخصيات شيعية فيها، مسجلة تلاحما وطنيا مميزا. وسجلت مناطق في بغداد وشمالها وغربها موقفا تاريخيا آخر برفضها المطلق لنهج المالكي. وبذلك أسقطت عنه عمليا ونظريا وحسابيا الادعاء بالوطنية، لأن «الحاكم» الذي يواجه هذا الحجم المطلق من الرفض يفقد الصفة الوطنية، مما يفترض تفهم جميع الكتل لعدم شرعية التجديد لولاية أوصلتها إليه ظروف شاذة.

وفي أسرع رد فعل سياسي ألقى المالكي كلمة رفض بها «قطعيا» قبول نتائج الانتخابات، مشددا على أنه ماض في تكوين أكبر كتلة برلمانية لتشكيل الحكومة، متجاهلا الاستحقاق الانتخابي وتغير معادلات التوافق التي أصبحت أكثر تعقيدا عما كانت عليه في الانتخابات السابقة. فالكتل الكبيرة يصعب اختراقها أو ابتزازها مقارنة بالمجموعات الصغيرة التي تلتقي عشوائيا نتيجة الصدف.

الاتفاق بين كتلة علاوي والمالكي «مستحيلة» لأسباب كثيرة. أما نقاط التلاقي مع الكتل الأخرى فممكنة بعد الفوز الكبير الذي جعل القوى الليبرالية في موقف قوي مدعوم عربيا ودوليا. وهنالك شبه إجماع على حرمان المالكي من ولاية ثانية، وهو ما كانت قراءته واضحة منذ عدة أشهر على الأقل. وبما أن كتلته لم تحقق الفوز، فإن تسمية بديل من حزبه لم تعد ممكنة. ومن هنا تبدأ مرحلة تشذيب جناح المالكي من حزب الدعوة «سياسيا»، وصولا إلى تهميشه مستقبلا، وفي ذلك مصلحة للجميع، بمن فيهم بالطبع أجنحة الدعوة الأخرى التي عمل المالكي على تهميشها. فضلا عن أن الأحزاب الدينية ليست قادرة على مواكبة التطور الحضاري.

الحديث عن الحكومة لا يزال مبكرا، فالمهمة شاقة والمشوار لا يزال طويلا، إلا أن بالإمكان الوصول إلى نتائج تختصر المسافة إن حسنت النيات. وحجر الزاوية لتحقيق التقدم قد يكون متاحا بإيجاد تفاهم قوي بين القائمة العراقية والائتلاف الوطني بقيادة السيد عمار الحكيم لعدم وجود خلافات أو نقاط اختلاف تتطلب قرارات صعبة. وينبغي مساعدة الحكيم على احتواء الأصوات المخالفة داخل ائتلافه. وبتوافق القائمتين مع التيار الصدري، يمكن وضع عملية تشكيل الحكومة على طريقها الصحيح، ووضع العديد من الشخصيات في كتلة المالكي على طريق المغادرة والالتحاق بجهد التغيير الوطني. فتبدأ عمليات التحول لصالح المشروع الوطني كحالة طبيعية.

وبحكم العلاقات المميزة التي تربط الدكتور علاوي بالقيادات الكردية، يفترض التعامل بمرونة تعززها نتائج الانتخابات الأخيرة في كركوك ونينوى، بعيدا عن الجمود في المواقف. والتمسك بتفسيرات الدستور كل على طريقته لن يؤدي إلا إلى تعقيد المعضلات. ولمواجهة الموقف لا بد من الخروج بحلول وسط، وتترك معالجة المعضلات لحين تحسن الأوضاع النفسية وتطور الفكر الديمقراطي لدى الفرد العراقي.

للكرد مطالب معلومة، منها إبقاء رئاسة الجمهورية من حصة الرئيس الطالباني، وهو مطلب طبيعي ينبغي أن يقابل بالقبول، لعدة أسباب، أهمها أن الرئيس الطالباني مارس دوره خلال ولايته الأولى بطريقة هادئة تتسم بالاعتدال والتوافق، وعلاقاته العربية مميزة. ودور العراق الخارجي يتجسد قبل كل شيء بالنهج الاستراتيجي للدولة المحدد بسلوك السلطة التنفيذية العليا المتمثلة برئاسة الوزراء حصرا. وإذا ما حصل العرب السنة على منصب الرئاسة فلن يكون له أثر على أوضاعهم إلا للشخص الذي يتقلده، فتختزل المصالح الوطنية بالفردية.

وإذا ما تحقق التفاهم بين الائتلاف والكردستاني والعراقية على هذه الأسس ستنتج عنه حكومة وطنية تقود العراق إلى بر الأمان فعلا، وتلغي التحدث المتخلف بمسميات الطوائف.

أما ردود فعل الرافضين للانتخابات والأفعال المقابلة، فلها حديث آخر.