عودة الوجه القبيح للإرهاب

TT

ضحايا الانفجارين اللذين وقعا أمس في مترو أنفاق موسكو على الأرجح في معظمهم أناس عاديون، وكل لديه عائلته وربما أطفاله الذين ينتظرون عودته، وعلى الأرجح ليس لديهم علاقة من قريب أو بعيد بالسياسة، ولم يفكر سوى في تقضية أشغاله أو مصالحة، وحظهم العاثر أن الصدفة أوقعتهم في نفس المكان والتوقيت الذي دفع فيه مخطط إرهابي انتحاريتين (كما أوردت المعلومات الأولية) لتفجير نفسيهما بهدف القتل العشوائي.

وهذا هو الوجه البشع للإرهاب، فهو قتل دون تمييز ضد ناس أبرياء ليس لهم ناقة أو جمل ولا يمكن إيجاد أي تبرير له، وعادة ما يكون المنفذون المباشرون قد جرى غسل أدمغتهم آيديولوجيا بينما يجلس المخططون أو المدبرون عن بُعد في أمان يراقبون ويحصدون الضجة الإعلامية التي تحدث بعد كل عمل إرهابي كبير، ووسط كل ذلك قد تكون هناك دوافع وأهداف وخيوط بعيدة لها أهداف أخرى.

وللأسف فإن الجزء الأخير من القرن العشرين شهد تصاعد الظاهرة الإرهابية التي ينفذها أناس يضعون عباءة الإسلام عليهم وهو بريء منهم، ويبدو أننا سنضطر إلى التعايش معها في جزء ليس قليلا من القرن الحادي والعشرين، فقد تكون الإجراءات الأمنية والحملات التي شنت ضيقت على الجماعات الإرهابية، وجعلت حركتها أصعب وتمويلها أقل، لكن التطورات منذ نهاية العام الماضي تشير إلى عدة محاولات لشبكات الإرهاب للعودة إلى الضوء بعمليات كبيرة، مثل محاولة الشاب النيجيري تفجير طائرة أميركية، ولأنه ليس هناك نظام أمان كامل فإن المنطق يقول إن انتحاريا أو مفجرا قد يتمكن في إحدى الحالات من الإفلات من إجراءات الأمن.

وما حدث في موسكو أمس تذكير للعالم بذلك، وأن الإرهاب لا يزال مشكلة تحتاج إلى تكاتف دول العالم لمحاصرتها بسياسات ناجحة لا تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل تمتد إلى الفكري والسياسي أيضا من أجل القضاء على جذوره.

ودون شك فإن العالم بمختلف مناطقه مليء بالمظالم سواء سياسية أو أخرى، وقد يكون بينها مطالب ومظالم عادلة، ومشكلة الشبكات الإرهابية التي يحكمها فكر مريض ومعوج أنها تستغل هذه المظالم السياسية في أعمالها من تفجيرات وقتل، مصورة ذلك على أنه شجاعة، في حين أنه لا يستحق سوى الإدانة والشجب من كل العالم كما حدث أمس بعد التفجيرين في موسكو.

وحقيقة الأمر أنه ليست هناك أي شجاعة في القتل أو التفجيرات الانتحارية، فحمل قنبلة لتفجيرها وسط أناس أبرياء يحمل في طياته خسة عالية، صحيح أن ذلك يحمل معه ضجة إعلامية كبيرة، لكن نتيجتها دائما سلبية، فالرأي العام في العالم ضد الإرهاب والتفجير والقتل، والتاريخ يدل على أن كل الجماعات التي اتبعت هذا الأسلوب تحت دعاوى مختلفة انتهت في النهاية كعصابات أو قطاع طرق ولم يكسبوا أي قضية، ولننظر إلى مثال حي على ذلك وهو كارلوس الذي ذوى بريقه وانتهى بعد صفقة مقايضة على رأسه سجينا لا حول ولا قوة له، ليس له حتى من يسأل عنه، ولا يبدي الإعلام اهتماما كبيرا به بعدما كان في السبعينات الإرهابي الأول في العالم.