ثلاث نقاط للمحافظين

TT

تحتاج كل دولة إلى شكل ذكي وبنّاء من التيار المحافظ. لم يكن النقاش الأخير بشأن قانون الرعاية الصحية، والذي انتهى لحسن الحظ ليلة الأحد قبل الماضي، أفضل ساعة بالنسبة إلى التيار الأميركي المحافظ.

لقد بدأ تيار المحافظين، في وضعه الحالي، نزعة غريبة وغاضبة. فقد وقع هذا التيار في شرك تيار شعبوي زائف ينبغي أن لا يثق به تيار المحافظين الحقيقي، فما الشيء الذي كان من الممكن أن يحصل عليه بيل بوكلي من «لجان الموت»؟ وقعت هذه العقيدة في شرك الشك في جميع الإصلاحات التي حذر منها دوما المحافظون من طراز المفكر السياسي إدموند بيرك. لكن التيار المحافظ الحقيقي أفضل من ذلك.

بالطبع، يشك المحافظون بصورة صحيحة في أنه عندما يوصي أتباع اليسار بدور «مناسب» لليمين، فإنهم في العادة يريدون عقيدة ترويضية لا تعترض في الحقيقة على أي من الأسس التقدمية.

ومع ذلك، لقد كتبت على مر السنين بالاحترام والمودة الحقيقية تجاه التيار المحافظ وكتابه ومفكريه لأنني أؤمن بأن التيار المحافظ يعترض على النظرة المستقبلية التقدمية على الأقل في ثلاث نقاط لا مفر منها.

أولا، يشعر المحافظون بريبة تجاه الابتكار، وبالتالي يُخضِعون جميع الخطط الكبرى لنقاش قاسٍ. السؤال الأساسي عندهم هو: ربما تعتقد، أيها الليبرالي، أن هذه الخطة الصحية (أو التعليمية أو البيئية) الجديدة فكرة عظيمة، لكن هل ستنجح في الواقع؟ ما النتائج غير المقصودة لهذه الخطة؟ هل بمقدور مؤسساتنا الحكومية إنجازها؟ لا تجتاز جميع الخطط التقدمية الاختبار. وفي ما يتعلق بنقاش الرعاية الصحية، كان المحافظون في أفضل أوضاعهم عندما نحوا الغوغائية في النقاش جانبا، ووجهوا أسئلة عملية ومركزة.

ثانيا، يحترم المحافظون الأمور القديمة والعادات القديمة. لكنهم ليسوا دوما على صواب في هذا الشأن، حيث إن الفصل والتمييز العنصريين مثالان جيدان على «الوسائل القديمة» التي كانت خاطئة من الناحية الأخلاقية. لكن الإعجاب بما وصفه الكاتب المحافظ راسيل كيرك على أنه «عادة» و«تقليد» يتحدث إلى شيء عميق في قلب الإنسان.

تكونت العادات الخاصة بنا على مر الوقت، فهي قائمة على الحكمة المتراكمة على مر الزمن لأسلافنا. وهذا هو السبب في أنه ينبغي التخلص من التقليد برفق. لا ينبغي لك أن تكون من المحافظين كي تتفق مع كيرك على أن العادة والتقليد «تقيد كلا من الاندفاع الفوضوي للإنسان والتوق الشديد لدى المجدد تجاه السلطة». ومن الجدير بالذكر أن المعارضين الأشداء لهتلر لم يكن من بينهم اليسار الألماني فحسب، لكن كان من بينهم كذلك، كما أصر المؤرخ جون لوكاتش، المحافظون المتمسكون بالتقاليد الذين أرهبهم الطرق التي كان يمزق بها النازيون المجتمع الألماني وكيف كانوا يعاملون غيرهم من البشر.

ويتعلق بذلك الإسهام العظيم الثالث للتيار المحافظ، وهو الشك في الطبيعة البشرية والاعتقاد بأن البشر لا يمكن إعادة تشكيلهم مثل البلاستيك. ويرى المحافظون جانبا منحلا في الطبيعة البشرية عادة ما يوصف من حيث الخطيئة الأصلية. وعندما يقترح الطوباويون خلق رجل جديد وامرأة جديدة، يصرخ المحافظون كالعادة، قائلين: توقفوا. وبالانتقال من جيل إلى جيل، نجد أن الطبيعة البشرية لا تتغير في الواقع.

وتقود جميع المساعي إلى تغييرها إلى أشكال شمولية من الإخفاقات السياسية والاجتماعية.

يقترح الكثير ممن يطلقون على أنفسهم المحافظين نبذ البرامج الحكومية التي استمرت لفترة طويلة. يبدو أن هؤلاء الأشخاص يتخيلون عالما تكون فيه الحكومة واهنة، وهذه العبارة تأتي من فريدريك أنجلز، لا من بوكلي. أو أنهم يشغلون أنفسهم بتناقضات صعبة المراس، معلنين في الوقت ذاته أنهم معارضين للرعاية الصحية التي تديرها الحكومة ومدافعين بحماسة عن نظام الرعاية الطبية «ميدكير». وفي الوقت الذي دعم فيه التيار المحافظ الجديد السوق ضد الدولة، فإن السلالة الأقدم منه والأكثر تحملا تفهمت أن السوق لم يكن أداة مثالية. وقد يعطي المحافظون «هتافين للرأسمالية»، كما قال إفرينغ كريستول في عنوان أحد كتبه، لكنهم لن يعطوا ثلاثة مطلقا.

قد أكون سقطت في الفخ الذي حذرت منه، في سياق سعيي للتيار المحافظ الذي يصحح التقدمية، ولا يعارضها.

لكن في رأيي، لقد قدم التيار المحافظ دوما أكبر مشاركة له كقوة تصحيحية تسعى إلى المحافظة على أفضل ما لدينا. وفي الوقت الذي ينتهي فيه نقاشنا الطويل والمرير حول الرعاية الصحية، هل من الممكن أن يعثر أنصار مثل هذا التيار المحافظ على فرصة؟ هل لا يزالون هناك؟

* خدمة «واشنطن بوست»