لبننة.. صوملة.. سودنة!

TT

السياسة العربية «ولادة».. لديها قدرة فذة وعجيبة على إفراز الحالات وبالتالي تقديم المصطلحات الفريدة والخاصة لتوصيف الأوضاع. سنوات من العراك الطائفي المخيف كان لبنان مسرحا خاصا له، وبعدها انفجر الوضع ليتحول إلى حرب أهلية بشعة راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء وبقيت الجروح لليوم تبحث عن البلسم والدواء لإنهاء آلامها ومعاناتها، وأطلق على ما حدث وصف «اللبننة»، وهي تقسيم الأوطان إلى طوائف ومذاهب والبناء على هذه الثقافة وهذا الفكر فيؤسس عليها نظام الحكم والدستور وتقام عليها مؤسسات البلد، فتكون النصرة لصالح المذهب والطائفة والقبيلة على حساب الوطن والمواطنة! وبعدها أتى على العالم السياسي العربي لفظ «الصوملة» وفي بعض الأحيان «العرقنة» لتصف ما حدث في الصومال والعراق من تقسيم فعلي عبر القتال، فتقسم المناطق داخل الوطن وبقوة السلاح والميليشيات والإرهاب إلى «كانتونات» لكل فئة من الوطن الواحد فتكون «الخطوط» الحدودية متفقا عليها، ولكن يبقى التقسيم العملي لتحويل هذه الخطوط إلى رسم رسمي ووطن جديد، وهذا يقود للمرحلة الأخيرة من الألفاظ السياسية الجديدة وهي لفظ «السودنة»، وهو يوصف الحال السوداني السياسي الحالي، فها هو جنوب السودان يستعد للانفصال «بشرعية» كاملة عبر استفتاء وعلم وحكومة وبرلمان بشكل حضاري متكامل وغطاء ديمقراطي باهر، ولكنه في النهاية «لبننة وصوملة» تم خلطهما جيدا كأهداف تحولت إلى «سودنة» بتكلفة أقل ومقبولة الهضم والاستيعاب بشكل أسهل!

كل تلك الألفاظ هي تشخيصات وصفية لأوضاع سياسية مهترئة نتاج خلل حقوقي في الحقوق والواجبات، وبالتالي السياسات والتشريعات ولدت بطبيعة الحال مناخا مسموما بين أبناء الوطن الواحد. «السودنة» أخطر من «اللبننة» و«الصوملة»، لأنها ذات منظر حضاري وذات شكل براق وجذاب وبدون إطالة لسان ولا إراقة دماء، بل إنها تختصر المسافات وتأتي بالنهايات أولا!

ظاهرة «السودنة» مرشحة للانتشار وقد تكون اليمن هي أول هذه الدول التي من الممكن أن ترى هذه الظاهرة. ولكن في الداخل الإسرائيلي في فلسطين المحتلة نفسها ووسط عرب 1948 المعاملين كمواطنين من الدرجة الثانية داخل سجن كبير، ألا يستحقون هم حالة «سودنة»، وأن يكون لهم «حد» فاصل ووطن منفصل؟ نعم لماذا يكون الحصر في الحديث عن فلسطيني الخارج وسكان الضفة وغزة؟! الحديث عن استقلال فلسطين وعرب 1948 حديث آن أوانه، وليس أهل الصحراء الغربية أو أهل دارفور أو أهل الجنوب السوداني بأحق منهم! الشرق الأوسط منطقة ملتهبة بامتياز، وبدلا من الحديث عن الأوطان البديلة التي تتحفنا بها إسرائيل، لماذا لا يبدأ العرب الحديث عن «حرية» أبنائهم في وطن مستقل داخل «الحدود» الإسرائيلية الحالية؟! فكرة آن أوانها.

[email protected]