المعلم والإمبراطور!

TT

سئل إمبراطور اليابان عن سر التقدم الكبير الذي شهدته اليابان في مختلف جوانب الحياة فأرجع ذلك إلى النهوض بالتعليم والمعلم قائلا: «لقد بدأنا من حيث انتهى الآخرون وتعلمنا من أخطائهم، وأعطينا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير»، وهذه حقيقة فمكانة المعلم في اليابان تأتي بعد مكانة الإمبراطور مباشرة، فأن تكون معلما في اليابان فهذا يعني أنك ضمن أبرز نجوم المجتمع، وأكثرهم أهمية، وأعظمهم قيمة، إذ لا يصل إلى وظيفة معلم هناك إلا الموهوبون والنوابغ والمميزون. تلك حقيقة تعرفها كل الدول العربية، ويلوكها جميع المشتغلين في التربية والتعليم باعتبارها مثالا بارزا لما يمكن أن يفعله التعليم في نهضة الأمم، لكن ما الذي يجعل محاولاتنا العربية المتلاحقة في إصلاح التعليم والارتقاء بالمعلم تعود في كل مرة إلى نقطة البدء؟ أخال أن إحدى الإشكاليات تكمن في أن لكل وزير من وزراء التربية العرب برامجه وأجنداته الخاصة التي تختلف عن برامج وأجندات سلفه، ومن سيأتي بعده، الأمر الذي يوجب أن تكون استراتيجيات التعليم ذات سمة مؤسساتية شاملة قادرة على الاستمرار، رغم ما يطرأ على قيادات الوزارات التعليمية من تغيير.

وتستعد وزارة التربية والتعليم في السعودية - بقيادتها الحديثة - إلى إطلاق هيكلة جديدة للمناهج التعليمية والمقررات الدراسية لطلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة ابتداء من العام القادم، وكم أتمنى أن تكون هذه الخطوة أكثر اتساعا، وأعمق رؤية من سلسلة المحاولات الكثيرة السابقة، وأن يكون لها أثرها الواضح في الارتقاء بأفكار أبنائنا وسلوكياتهم ومواقفهم الحياتية، فهذه الإصلاحات تأتي في سياق تاريخي على درجة كبيرة من الأهمية، كما تتزامن مع رؤية الملك عبد الله الخاصة لأهمية التعليم، وقناعاته بما يمكن أن يحدثه التعليم من نهوض وتطوير لمختلف جوانب حياتنا، وبعبارة أكثر اختصارا: إن المجتمع يتطلع إلى بنية تعليمية قادرة على تعزيز أمنه الفكري، والعلمي، والاقتصادي، والاجتماعي، بنية ترتقي إلى مستوى تحديات الحاضر والمستقبل، يكون فيها المعلم فنارا يسترشد به أبناؤنا لتعميق قيم المحبة، والمساواة، والتسامح.

ولا أستطيع في نهاية المقال أن أخفي تفاؤلي بكوكبة القيادة الحالية التي تقود العمل التربوي والتعليمي في البلاد، فهي قد تكون الأكثر تكاملا وتنوعا واستعدادا لتحقيق ما حلمنا بتحقيقه منذ زمن بعيد.

[email protected]