حذر بالغ تجاه إصلاح الرعاية الصحية

TT

لا تسمح أعراف وتقاليد الخطابات السياسية الرنانة بالاعتراف بالتشكك أو الحيرة. وعليه، تنوعت الآراء المعلنة في إطار النقاش الذي شهده مجلس النواب، حول الرعاية الصحية ما بين خطابات نارية حول كارثة وشيكة (الجمهوريين) وأخرى تتغنى بالنعيم الذي لاح في الأفق (الديمقراطيين).

في الواقع، تدعو هذه المناسبة إلى التواضع والاتزان، وليس إطلاق التصريحات البلاغية الرنانة، بغض النظر عن مدى عدم ملاءمة المناخ العام لذلك. لو كنت عضوا في الكونغرس، كانت الكلمة التي سألقيها قبل التصويت بالموافقة لا تعدو العبارة التالية: «آمل أن ينجح هذا الأمر».ويمكن القول بأن أحد الجوانب المثيرة للدهشة في النقاش الدائر حول الرعاية الصحية يتمثل في ضآلة المعلومات المتوافرة حول تداعيات مثل هذا التغيير الهائل. في ذهن كل من يشارك في النقاش نظرية ما حول المشروع، ونموذج محدد أمام عينيه، ومع ذلك تبقى بعض الجوانب المحورية في المشروع محل نقاش.

ويتمثل التساؤل الرئيسي في خضم هذه القضية في: هل يؤدي التأمين الصحي إلى التمتع بصحة أفضل؟ ورغم توافر أدلة ملموسة على هذا الأمر، فإنها لا تحظى بالإجماع. على سبيل المثال، خلصت دراسة أجراها «المعهد الطبي» عام 2009 إلى أن «الأدلة المتعلقة بالنتائج الصحية المترتبة على التأمين الصحي أقوى من أي وقت مضى.. ببساطة يمكننا القول إن تغطية التأمين الصحي مهمة».

إلا أن دراسة أجراها في العام ذاته ريتشارد كرونيك، المستشار السابق للرئيس بيل كلينتون للشؤون الصحية، توصلت إلى أنه «لا توجد دلائل ضئيلة توحي بأن تمديد مظلة التأمين لتشمل جميع البالغين سيترك تأثيرا كبيرا على أعداد الوفيات داخل الولايات المتحدة». وتعرضت دراسة كرونيك لانتقادات لأنه لم يجر تعديلها بحيث تأخذ في الاعتبار أن من يعانون من صحة معتلة الأكثر احتمالا لأن يسعوا للحصول على تأمين صحي. بيد أن تباين الآراء يسلط الضوء على صعوبة معرفة، على وجه التحديد، التغييرات المترتبة على قانون إصلاح الرعاية الصحية الجديد.

ولننظر إلى مثال آخر: من بين التأكيدات الشائعة أن الأفراد غير المؤمن عليهم ينتهي بهم الحال بالحصول على الرعاية الصحية، لكن بتكلفة أعلى داخل غرف الطوارئ، وعندما تزداد الأمور سوءا، يجري تمرير التكاليف بحيث يتحملها باقي أفراد الشعب.

إلا أن دراسة صدرت مؤخرا عن «المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية»، وضعها مايكل أندرسون وكارلوس دوبكين وتال غروس، تثير الشكوك حول صحة هذه الفرضية. تفحص الباحثون استهلاك الرعاية الصحية من جانب أبناء الـ19 الذين أسقطوا للتو من التغطية الصحية الخاصة بوالديهم. وتوصلوا إلى أن عدم التمتع بتغطية تأمينية نشأ عنه تراجع في زيارات غرف الطوارئ بنسبة 40%، مما يتعارض مع الاعتقاد السائد أن غير المؤمن عليهم الأكثر احتمالا لأن «يزوروا غرف الطوارئ، وأن تراجعا بنسبة 61% تشهده معدلات دخول المستشفيات».

في هذا الصدد، قال واضعو الدراسة إنه «بوجه عام، توحي هذه النتائج بأن توسيع مظلة التأمين الصحي من شأنه إحداث زيادة كبيرة في حجم الرعاية التي يتمتع بها حاليا غير المؤمن عليهم، وسيستلزم ذلك زيادة في إجمالي الإنفاق». وتوقعوا إمكانية أن تزداد زيارات غرف الطوارئ بمعدل 13 مليون زيارة سنويا، وأن ترتفع معدلات دخول المستشفيات بمعدل 3.8 مليون.

وعليه، فإن الحذر واجب عند التعامل مع مثل هذا النظام المتداخل وعند إطلاق توقعات حيال تأثيرات إصلاح الرعاية الصحية، سواء بالسلب أو الإيجاب. والتساؤلات القائمة الآن: هل سينضم البالغون الأصغر سنا، الذين يشكلون قرابة نصف البالغين من غير كبار السن ممن لا يتمتعون بمظلة تأمينية، إلى التأمين الصحي، أم سيفضلون دفع الغرامة؟ وكيف سيؤثر القرار على مدى ملاءمة الإعانات الفيدرالية؟ هل سيخلق توسيع مظلة التأمين الصحي نقصا في جهات توفير الرعاية الصحية ويسفر عن ارتفاع الأسعار، أم إن توفير أموال أكبر عبر «ميديكيد» إلى أطباء الرعاية الأولية سينشأ عنه نزوح جماعي للأطباء إلى خارج النظام؟ هل ستضيف جهات التوظيف التغطية التأمينية لأن العمال الذين سيواجهون الإلزام الإجباري سيضغطون من أجل تحقيق ذلك، أم إنهم سيتخلون عنها لأنه سيكون من الأرخص دفع الغرامة وترك الموظفين يتولون تسوية شؤونهم؟

هل من شأن زيادة تغطية الرعاية الوقائية توفير أموال لأن الأمراض سيجري الكشف عنها في وقت مبكر، أم إنها ستزيد تكلفة إجراءات الفحص والمسح بما يفوق المنافع الاقتصادية المترتبة على هذا الإجراء؟ لقد خلص مكتب شؤون الميزانية التابع للكونغرس إلى أنه «بالنسبة لغالبية الخدمات الوقائية، توسيع دائرة الاستفادة تؤدي إلى زيادة، وليس إلى تراجع، الإنفاق الطبي العام».

بوجه عام، يبدو التشريع مخاطرة جديرة بخوضها، خاصة أن ملايين الأميركيين لا يتمتعون بتأمين طبي، مما يشكل عارا وطنيا كان ينبغي تناوله منذ وقت بعيد مضى. في المقابل، فإن زيادة تكاليف الرعاية الصحية تهدد الأمن المالي الوطني، وقد وعد القائمون على القانون الجديد بتقليص هذه الزيادات.

ويبقى المؤكد أنه من المتعذر الاستمرار في الوضع القائم. وتكشف دراسة حديثة صادرة عن «المعهد الحضري» أنه من دون الإصلاح، سترتفع أعداد غير المؤمن عليهم، وستستمر جهات التوظيف في إغفال التغطية التأمينية. لكن تبقى النصيحة إلى من يعلنون بتبجح وثقة ماهية النتائج المترتبة على هذا القانون بأن من الضروري التحلي بالحرص والحذر.

* خدمة «واشنطن بوست»