أردوغان في قمة سرت: تركيا ليست دولة حيادية

TT

عندما قرر عبد الله غل وكان وقتها رئيس الوزراء التركي زيارة مبنى جامعة الدول العربية الواقع في ميدان التحرير بالقاهرة في منتصف كانون الثاني 2003 ومفاجأة الأمين العام للجامعة عمرو موسى بتقديم اقتراح قبول تركيا عضوا مراقبا في المنظمة، كنا في طليعة المنتقدين لهذا الحماس والاندفاع المبالغ فيه والسابق لأوانه. فأنقرة التي كانت توصف وقتها من قبل المتشددين الإعلاميين والسياسيين العرب بـ«رأس حربة المتآمرين على دول المنطقة وشعوبها» بسبب علاقاتها الاستراتيجية المميزة مع إسرائيل أولا وبسبب علاقاتها الدائمة التوتر مع جارتيها العراق وسورية لأسباب مائية وحدودية وسياسية ثانيا، كانت تحتاج إلى تقديم أكثر من مؤشر ودليل على أنها لن تكون «المتحدث باسم إسرائيل في المنظمة» كما قيل يومها.

ردود الفعل الصادرة عن الكثير من القيادات والزعماء العرب التي لم تتأخر في الانقسام حول الطلب التركي بين متحفظ ومتردد ومجموعة أخرى من المساندين لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة خيبت وقتها آمال حزب العدالة والتنمية الذي كان قد تسلم دفة القيادة لتوه في البلاد وكان يستعد لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع العالم العربي. لكن حزب رجب طيب أردوغان لم يتراجع عن طلبه هذا رغم أن أحد الدبلوماسيين العرب وصف الطلب التركي وقتها بالنكتة التي سرعان ما ننساها بعد دقائق من سماعها ورغم أن البعض الآخر انتقد يقول: «إن قبول الطلب التركي سيعني تشجيع إسرائيل على التقدم بطلب مماثل باسم شراكتها مع أنقرة ومن منطق المعاملة بالمثل».

في قمة سرت الأخيرة كان رئيس دولة البلد المضيف العقيد معمر القذافي يقف جنبا إلى جنب مع الأمين العام للجامعة ليصفق لأردوغان وقوفا تقديرا ودعما وترحيبا وهو الذي لم يتردد قبل سنوات في قول كل ما عنده ضد السياسة الخارجية التركية في وجه الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان الذي دفع سياسيا ثمن ذلك باهظا. ويجدد ذلك في قمة الجزائر عام 2005 مطالبا حكومة العدالة والتنمية بمراجعة سياساتها ومواقفها المقربة من الغرب وإسرائيل تحديدا والتي تضر بعلاقات تركيا مع العالم العربي.

قد تكون قمة الخرطوم عام 2006 هي نقطة التحول في مسار العلاقات بين العرب والأتراك. فأردوغان جاء يشارك ضيفَ شرف يتابع عن قرب رغم تغيب الكثير من القيادات والزعامات العربية. وهو كان يعرف وقتها أن الموقف التركي من الحرب الأميركية على العراق لم يكن كافيا لإقناع العالم العربي بالتحول القائم في السياسة الخارجية التركية نحو الشرق والعالمين العربي والإسلامي تحديدا. وكان لا بد من تدعيم ذلك بوقفة أخرى جاءت مع العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف العام نفسه حيث فجرت أنقرة كل غضبها في وجه تل أبيب منددة بهذه الحرب التدميرية التي لا يقبل بها أي قانون دولي وأي قواعد إنسانية وأخلاقية معلنة أن التعاون مع الدولة العبرية لن يكون على حساب دول المنطقة ولن تمنح تركيا لتل أبيب شيكا على بياض تضمن من خلاله تحييد أنقرة وإبعادها عن هموم وأزمات ومشكلات المنطقة. لتكون نقطة الحسم في الموقف التركي من العدوان الإسرائيلي التدميري على غزة في مطلع 2009 وانتقال العلاقات إلى خط اللا عودة بسبب الممارسات والسياسات الإسرائيلية القائمة.

ها هو أردوغان التركي يقف أمام منبر الجامعة العربي ليطلق نداءات وتحذيرات وتهديدات لإسرائيل التي سلمته قبل أيام من قدومه إلى ليبيا شحنة من طائرات «هيرون» في محاولة لتجنب غضبه وتخفيف انتقاداته لكن كل ذلك لم ينفع. فهو جاء يحدث المؤتمرين عن وحدة القدر والمصير المشترك». قواسم مشتركة كثيرة تجمعنا وتوحدنا وتحولنا لا إلى أصدقاء بل إلى إخوة. التطاول على القدس ومحاولة إشعال النار هناك يعني تفجير المنطقة بأكملها. القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع وهي مفتاح السلام في الشرق الأوسط».

هل هي رسالة مباشرة لإسرائيل أن تركيا لم تعد دولة حيادية وأن الخطوات اللاحقة ستكون أكثر موجعة ومؤلمة باقتراب الوصول إلى نقطة النهاية في علاقاتهما عندما طالب أردوغان «برؤية نهاية الطريق لا خارطة الطريق»؟

ترحيبه أيضا بمشروع رابطة دول الجوار الإسلامي رسالة تعني العالم الغربي ومشروع الشراكة بين تركيا والاتحاد الأوروبي وربما أرادها هنا أن تكون رسالة إلى رئيسة الوزراء الألمانية ميركل المعارض الأكبر لقبول تركيا في هذا الاتحاد وهي تستعد لزيارة العاصمة التركية.

نسي أردوغان مرة أخرى أنه يستعد لمواجهة سياسية طاحنة مع المعارضة السياسية التي تتربص للانقضاض في الأيام المقبلة لإلزامه بالتراجع عن مشروع إطلاق رزمته الجديدة من التعديلات الدستورية وأنه يغامر بإطلاق خطب من هذا النوع يريد حزب الشعب الجمهوري سماع المزيد منها لتعزز ما يحاول جمعه من دلائل «تدين» العدالة والتنمية وتوقفه «بالجرم» العربي والإسلامي المشهود إذا ما سلمنا أن بعض الأقلام العربية لم تعد هي الأخرى ترى فيه أي «تهديد يحاول الاقتراب من العالم العربي باسم إسرائيل ونيابة عنها».

*كاتب وأكاديمي تركي