العراق: العنف يتأرجح بين عودة المالكي أو استبعاد علاوي

TT

رفض نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الحالي، «اليد الممدودة والقلب المفتوح» اللذين عرضهما عليه إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق، الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد النيابية (الديمقراطية تفوز بصوت واحد)، وبهذا رفض المالكي الدعوة إلى «تشكيل حكومة تحسن علاقات العراق في الداخل والخارج».

المالكي، وقبل إعلان النتائج، كان يقول إنها لن تكون نهائية، فشلت محاولته بإعادة العد يدويا، فلجأ إلى «هيئة المساءلة والعدالة» التي قررت تجريد ستة نواب من مقاعدهم، ثلاثة منهم من كتلة علاوي، لأنهم قبل ليلة من الانتخابات مُنعوا من ترشيح أنفسهم. إذا جرى هذا، يصبح المالكي صاحب أكبر كتلة، وتزداد احتمالات العنف الطائفي، وقد ظهر هذا من العمليات الإرهابية في الأيام الأخيرة.

مناورات المالكي لم تلغ عدة مسائل برزت مع نتائج الانتخابات، إذ أظهر الشيعة قوة سلطتهم الانتخابية، وبرزت قوة مقتدى الصدر على حساب المجلس الإسلامي للعراق بطريقة قد ترجح كفة الميزان لكلمته في المفاوضات حول التحالفات الجديدة، كذلك حقق السنة إنجازا، خصوصا لناحية الشعور الوطني الذي جمعهم على قائمة علاوي، وهذا قد يدفعهم لاستعادة «شرف ضاع»، بأن يكونوا فعالين سياسيا عبر مناصب وزارية مميزة إذا نجح علاوي في التغلب على المؤامرات التي تحاك ضده.

أما الأكراد، فإن تحالف الحزبين الرئيسيين فقد بعض الزخم الانتخابي. هم يهرولون لتشكيل جبهة موحدة لتفاوض مع الطرف الأبرز في القوائم الأخرى. إن أي تحالف عراقي حاكم سيحتاج إلى المقاعد الكردية الثلاثة والأربعين ليغطي 163 مقعدا في البرلمان، وهذا يعني أن على الحزبين الكرديين الرئيسيين كسب الحزب الكردي الثالث (غوران) كحليف معهما، ليكون للأكراد دور «بيضة القبان» في الحكومة المقبلة.

وحتى قبل إعلان النتائج، كان المرشحون البارزون نشطين في مفاوضات التحالف، منها مثلا ما صدر عن المالكي وبعض زعماء الائتلاف الوطني العراقي، بمن فيهم عادل عبد المهدي من المجلس الإسلامي ومجموعة الصدر، لجمع الكتلتين في تحالف شيعي واسع (159 مقعدا) فيصبح بذلك الكتلة البرلمانية الأكبر القادرة على تشكيل حكومة، وضمنيا لحرق أغلبية علاوي.

من جهة أخرى، وعلى الرغم من عداء الصدر للمالكي، وعلى الرغم من اعتراض الكتلة الشيعية على فترة ثانية من حكم المالكي، فقد سافر في 26 من الشهر الماضي (يوم صدور نتائج الانتخابات) ممثلون عن المجموعتين إلى إيران للقاء مقتدى الصدر، وفي الوقت نفسه، سافر بشكل منفصل الرئيس العراقي جلال طالباني وعادل عبد المهدي إلى طهران التي تحاول توحيد الشيعة (المالكي والائتلاف الوطني) وترغب في جعل الأكراد معهما، للوصول إلى أغلبية شيعية، لا تتمتع بأي شعور قومي (علاوي)، هذا على الرغم من الاعتراض السوري القوي لعودة المالكي.

لكن، على الرغم من هذا «الحج» إلى إيران، فقد كشفت نتائج الانتخابات العراقية محدودية التأثير الخارجي. رغم أنه في الفترة الأخيرة نشطت الدول المجاورة للعراق، خصوصا إيران التي تدعم المالكي، وإلى حد اقل، سورية والسعودية وتركيا التي تدعم علاوي.

شاركت سورية في مفاوضات مكثفة مع عدة عناصر عراقية قبل الانتخابات، هي دعمت السنة، والبعث والعناصر الشيعية الوطنية بهدف الوصول إلى توازن ما بين الهيمنة الشيعية (الإيرانية الميول)، والحكومة التي ستبرز في بغداد، وذلك حتى تتيح للسنة في العراق المشاركة ولو جزئيا في إدارة شؤون بلادهم.

في الواقع فإن نفوذ سورية في العراق محدود، مقارنة مع النفوذ الإيراني المتعدد المستويات والمنتشر في الساحة العراقية، والمؤثر على الكثير من السياسيين.

بشكل عام واجهت سورية أزمة، فقد دعمت مع السعودية وتركيا علاوي، فالدول الثلاث من مصلحتها دعم الميل الوطني والجانب العلماني الشيعي، وتقوية وضع السنة في العراق، فهي تنظر إلى مستقبل العراق كدولة قومية عربية مع تمثيل سني مميز.

في حين أن إيران، حليفة سورية، تريد المالكي، الذي اتهم سورية بأنها تؤوي المسؤولين عن التفجيرات التي وقعت في العراق في شهر أغسطس (آب) الماضي. تلك الاتهامات باعدت ما بين دمشق وبغداد. ونسفت التعاون الأميركي - السوري. ويذكر أن مسؤولا أميركيا قال إن المالكي اتهم سورية عن عمد لنسف الاتصالات الأميركية معها. سورية تريد تحالفا من ثلاث كتل: علاوي وكتلة شيعية والأكراد، وإبعاد المالكي، وتقوية البعد العربي على حساب الأكراد.

أما حليفتها إيران، فمنذ الانتخابات وخصوصا في الأيام الأخيرة تجري المفاوضات لتشكيل حكومة ائتلاف تفرض سيطرة شيعية على بغداد من دون علاوي الذي تتحفظ كثيرا على إحساسه القومي، لهذا دعت للتشاور مجموعة مقتدى الصدر والمالكي وعادل عبد المهدي وكذلك الرئيس العراقي طالباني.

إن استعجال إيران في تحركاتها غير الخجولة لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة يدل على إصرارها على تسويق التحالف الشيعي الذي تريده، الأمر الذي لم تكن قادرة عليه قبل الانتخابات، أي الجمع ما بين ائتلاف دولة القانون (المالكي) والائتلاف الوطني العراقي (عمار الحكيم). وسعيها لهذا التحالف الشيعي يعود إلى التحدي الذي شعرت به من نتائج الانتخابات. فقد اكتشفت ضعفا سياسيا عند الشيعة العراقيين المحسوبين عليها، وكان هذا الضعف ظهر بقوة في الانتخابات المحلية في يناير (كانون الثاني) 2009، ولاحظت هذا الضعف أيضا في انهيار أسهم المجلس الإسلامي للعراق على الرغم من بعض القوة التي حصل عليها فريق الصدر، ورغم ارتياحها لبعض قوة الصدر إلا أنها لا تشعر بأنه «حليف مخلص» لها. كذلك لاحظت إيران بروزا لافتا للسنة وللقوميين على الساحة العراقية بقيادة علاوي، وهذا يضر بمصالحها على المدى البعيد، فحسب رأيها، فإن عراق المستقبل يجب أن يكون بقيادة إسلامية - شيعية تدعم علاقات خاصة جدا مع إيران.

إن تضافر الجهود الإيرانية في الأيام الأخيرة لتشكيل تحالف شيعي في العراق محسوب عليها، سببه أيضا أنها صارت ترى العراق «ساحتها الخلفية» خصوصا بعد ما لمست نشاط الدول العربية فيه وتحديدا سورية والسعودية والأردن، وبمساعدة تركية، لتشكيل حكومة برئاسة علاوي، ثم إن إيران تعمل جاهدة لعدم إضعاف نفوذها على شيعة العراق، حيث تريد ترسيخ وضعها فيه، قبل بدء انسحاب القوات الأميركية منه (50 ألفا في شهر سبتمبر «أيلول» المقبل)، هذا على الرغم مما يسببه موقفها من توتر في علاقتها مع سورية، لكن بسبب قرب الانسحاب الأميركي، فان الدولتين (إيران وسورية) تتفاوضان سرا لتخفيف هذا التوتر.

لا يمكن أن يكون غاب عن التحليل الإيراني لنتائج الانتخابات العراقية قوة الإحساس الوطني لدى العراقيين، والمشاركة القوية للسنة في النشاط السياسي العراقي رغم منع عدد من المرشحين السنة من المشاركة. إيران لاحظت على وجه التأكيد أن قوة المجموعات العرقية ضعفت، وإن كانت لا تزال تنبض نوعا ما لدى الأكراد والشيعة، كما لا بد وأن تكون أقلقتها ديمقراطية الانتخابات.

لكن المؤسف أن أيا من الكتل التي خاضت الانتخابات، وأيا من الدول المجاورة التي دعمت هذه الكتل، لم يهتم بما يعاني منه المسيحيون في العراق من قتل عن عمد، وتهجير وحرق بيوت وقرى. إذ لم يصدر بيان عن أي من الكتل، لا قبل الانتخابات ولا بعد إعلان النتائج يلمح إلى رغبة في حماية مسيحيي العراق من النفوس السوداء التي تقتلهم وتريد اقتلاعهم من جذورهم.

إن تحديات كثيرة لا تزال قائمة. فإذا نجحت إيران في مشروعها الذي يستثني كتلة علاوي، فهذا سيدفع إلى ردود فعل لا تحمد عقباها قد تجدد المواجهات الطائفية. ثم إن الوصول إلى اختيار رئيس للوزراء قد يستنزف وقتا طويلا، مع الكثير من التعقيدات، ستليه عملية أكثر تعقيدا، وهي ملء الحقائب الوزارية. المهم أن ينجح الأطراف الداخليون والخارجيون في سباقهم مع الزمن قبل الانسحاب الأميركي، وقبل أن تطل الحرب الأهلية مرة ثانية لتهدد العراق الذي قال مسؤول أميركي مؤخرا: «إنه لم يعد على رادارنا».