الأمير «إيمستي» يعود من الغربة!

TT

... وأخيرا عاد الأمير المصري «إيمستي» مرة أخرى إلى مصر، ولا نعرف كيف أو متى سافر هذا الأمير الفرعوني من بلاد الفراعنة إلى أميركا! ولكن القصة العجيبة بدأت عندما وصلَت إلى مدينة ميامي الأميركية شحنة عبارة عن فواكه وخضراوات، وكان يجب على موظف الجمارك المسؤول عن الزراعة في المطار معاينتها للتأكد خلوها من الآفات والحشرات أو الأمراض.

وبينما كان موظف الجمارك يقوم بعمله في فحص الشحنة.. فوجئ بوجود شيء غريب عبارة عن تابوت من الخشب مزخرف بالمناظر الفرعونية ويحمل صور لآلهة العالم الآخر ونقوشا هيروغليفية.. وتأكد للموظف أن هذا التابوت لا بد أن ورائه قصة غريبة، لذلك قام بإبلاغ ضباط الأمن الداخلي بوجود تابوت فرعوني!

وعلى الفور طلبوا من صاحب الشحنة وهو مواطن من برشلونة اتفق على بيعه لمواطن كندي بمليون دولار.. سند الملكية لهذا الأثر، وبالطبع لم يستطع أن يقدم أي دليل يشير إلى قانونية امتلاكه لهذا التابوت الفرعوني.

وبناء على ذلك قامت الشرطة بإرسال خطاب إلي تشرح فيه ملابسات الحادث ويسألون عن معلومات تخص هذا الأثر.. وعلى الفور وبمجرد رؤيتي للصور المرفقة بخطابهم أرسلت إليهم ملفا كاملا شرحت فيه أهمية التابوت، وأنه جزء من الحضارة المصرية القديمة، ومن خلال المناظر المرسومة على التابوت اتضح أنه يرجع إلى عصر الاضمحلال الثالث أي بعد نهاية الدولة الحديثة مباشرة والأسرة الحادية والعشرين، ويعود تاريخ التابوت إلى نحو ثلاثة آلاف عام.

ولكن المواطن الإسباني رفض أن يعيد التابوت إلى مصر ولذلك طلبنا من ضباط الأمن الداخلي الأميركي أن نرفع قضية ضد هذا المواطن للحصول على التابوت. وطبعا موضوع القضايا في أميركا يتكلف الكثير، وعلى الرغم من ذلك قمت بالاتصال تليفونيا بأحد مكاتب المحاماة بمدينة ميامي، وهي المدينة التي تم ضبط التابوت بها.. وكانت المفاجأة أن رئيس المكتب قد وافق على الفور على مساعدتنا ورفع القضية دون أن يتقاضى أي أتعاب.. وبدأنا نجهز الأوراق المطلوبة، وعندما أرسلت ملفا كاملا إلى المحكمة فوجئنا بالمواطن الإسباني ينسحب من القضية كلها ويعلن موافقته على أن يسلم التابوت إلى مصر اعترافا منه بخروج التابوت بطريقة غير شرعية من مصر.

بعدها بدأت المفاوضات مع الأميركيين لعودة التابوت إلى مصر، وكان عليّ أن أذهب إلى السفارة الأميركية بالقاهرة للتوقيع على الكثير من الأوراق لتسلم التابوت، وطلبوا أن يعرض هذا التابوت بصفة مؤقتة داخل متحف الـ«سميسونيان» لكي يظهر للعالم جهود الحكومة الأميركية في عودة الآثار المسروقة.

وفى الحقيقة أن من أهم الدول التي تساعدنا في عودة الآثار أميركا، وعندهم ضباط على مستوى عالٍ من الثقافة والتدريب ومعالجة القضايا.. أحدهم يدعى جيمس ماكنرو ظل لمدة عامين على اتصال بي بينما كان يراقب ضابطا من الجيش الأميركي زار مصر في عام 2002، وفي أثناء سفره إلى أميركا حمل معه نحو 200 قطعة أثرية من عصر ما قبل الأسرات مسروقة من مخزن خاص بكلية الآداب جامعة القاهرة بالمعادي!

وظلت هذه المراقبة سرا بيني وبين جيمس ماكنرو وإدارته حتى اتصل بي يوما ليقول لي إنه تم القبض على الضابط الأميركي وبحوزته الآثار المسروقة، وقد سافرت إلى نيويورك وعاينت القطع الأثرية وكتبت تقريرا للعرض على المحكمة، وعادت القطع الأثرية إلينا مرة أخرى.

نعود إلى تابوت الأمير «إيمستي»، فبعدما اتضح عدم وجود مكان مناسب للتابوت للعرض بمتحف الـ«سميسونيان».. تم الاتفاق على عودة التابوت إلى مصر، وسافرت بالفعل لتسلمه من واشنطن خلال مؤتمر صحافي كبير عُقد بمقر الجمعية الجغرافية وحضره نائب السفير المصري، وكان التابوت معروضا أمامنا وتم الحجز له على طائرة «مصر للطيران» من نيويورك إلى القاهرة.. وهكذا عاد الأمير الفرعوني بصحبتي يركب هذه المرة طائرة فاخرة إلى موطنه.. مصر!