الأرامل السود.. ما زلنا لا نعرفهن

TT

تمكنت الانتحاريات الشيشانيات ممن يعرفن بـ«الأرامل السود» من ترويع روسيا في العقد الأخير، ولا تزال صور المشاركات منهن في عملية احتجاز رهائن في مسرح موسكو وطلاب في مدرسة بيسلان ماثلة بقوة. مشاهد عاودنا استحضارها بعد التفجيرات الدامية الاثنين الماضي.

ما تسرب من معلومات عن منفذتي عملية مترو موسكو لا يزال شحيحا، والصور التي تسربت لملامح المرأتين اللتين لم تتجاوز إحداهما الثامنة عشرة من العمر لا تكفي حتما لرسم صورة لشابتين قتلتا عشرات الأبرياء في صباح بارد من صباحات موسكو.

وكما في لحظات الأزمات والأخبار الصادمة تحول مهتمون ومصدومون من أنحاء العالم نحو الشبكة العنكبوتية للبحث عن إجابات تتعلق بهذه التفجيرات، واجتاحت صفحات الإنترنت صور وأخبار وتعليقات من مواطنين صحافيين ومن عابرين صادف وجودهم في مكان التفجير فالتقطوا صورا ومشاهدات حية تم بثها سريعا عبر موقعي «تويتر» و«يوتيوب».

لكن رغم الدماء الكثيرة واللقطات القاسية والدموع التي سكبت على ضحايا التفجيرات، كانت الاهتزازة الأمنية التي ضربت موسكو مناسبة جديدة لتؤكد كم أننا ما زلنا لا نعرف من هنّ هؤلاء النساء، فلم ترسم لنا تلك الصور البعيدة لوجهين قيل إنهما للانتحاريتين، ميتتين، أي معنى. هل نكتفي بقول بعض المحققين إن واحدة من المرأتين كانت تملك شعرا طويلا جميلا ووجها جذابا، لنعرف ما دفع بها إلى تلك الفعلة المروعة؟!

ما من جهد استقصائي إعلامي فعليّ تحقق من انتحاريات مسرح موسكو أو من انتحاريات مدرسة بيسلان، وكأن اليوم لن يبذل جهد لنعرف من هما هاتان الشيشانيتان اللتان ارتكبتا مذبحة المترو.

ما زال الإعلام عاجزا عن إخبارنا بهوية الأرامل السود، ففي النهاية نحن لا نعرف سوى أنهن أرامل أو أقرباء لمقاتلين شيشان قتلتهم أو عذبتهم القوات الروسية، وأن اسمهن «الأرامل السود»، أتى تشبها بنوع من إناث العناكب. لكن، ما هي الظروف الاجتماعية التي تدفع أرملة أو امرأة أو فتاة في مقتبل العمر لاختيار هذا المصير؟!

إنها أسئلة تصحّ في حالة انتحاريات بعقوبة في العراق.

إلى اليوم، لا معلومات كافية تجعلنا نفهم ظاهرة انخراط المرأة في العمل الانتحاري التي شهدت في العراق ذروة في عام 2008. عرفنا مثلا رأي تنظيم القاعدة والخلاف بين تيارات داخله حول الأمر، وهو أمر فجّره أبو مصعب الزرقاوي حين أطلقت أولى انتحاريات العراق.

المهم أننا لا نعرف رأي المرأة نفسها..

في تغطيات صحافية كثيرة تسنى لنا الاقتراب من انتحاريين ذكور، عرفنا سيرهم وآراءهم وتجارب من فشل منهم، لكن الأمر لا ينطبق على الانتحاريات النساء سوى سير قليلة لانتحاريات فلسطينيات برزن ما بين عامي 2002 و2004.

لا يقتصر الأمر على قصور بالأقسام الاستقصائية لوسائل الإعلام، إنما أيضا الصعوبة في تقصي حياة امرأة في مجتمعات شرقية، فهي لا تزال في منطقة العار، وإقدامها على الانتحار أو استخدامها فيه قد يضاعف من وضعها في هذا الدائرة.

diana@ asharqalawsat.com