بوند ينتقم

TT

بريطانيا هي الدولة الوحيدة التي طردت «دبلوماسيا» إسرائيليا في قضية الجوازات الأوروبية المزورة التي استخدمت في اغتيال المناضل الفلسطيني محمود المبحوح. لماذا؟ لأن في ذلك اعتداء على سمعة بلاد بوند. جيمس بوند. «فالإنجليز» كما اشتهروا في العالم العربي، بمعاهد «الجواسيس» وحكايات لورانس العرب، لا يهون عليهم أن يطعنوا في المهنة التي برعوا بها أكثر من سواهم. أو هكذا صورت لنا الأساطير والدعايات على الأقل.

وفي الوقت الذي كانت الإمبراطورية تتهاوى وتتقلص وتعود بريطانيا إلى جزرها الأولى، ظهر في عالم الرواية والخيال من يصنع لها صورة سينمائية ملأت العالم أجمع. إذ بدل شرلوك هولمز الذي يحل الجرائم الجنائية بقدرة فائقة، اخترع ايان فليمنغ شرطيا سياسيا يحل قضايا الجاسوسية التي تعصى على سواه. وانطلق جيمس بوند يركب السيارات المذهلة والمراكب السريعة ويفتن النساء في كل مكان. وصار جيمس بوند رمزا للتفوق في عالم منهار. وأصبحت بريطانيا تبحث عن الثروات والمداخيل الضائعة في ظاهرة مثل «فرقة البيتلز» التي قدمت الملكة لأعضائها أرفع الأوسمة. وتحولت لندن من عاصمة إمبراطورية ترسل العمارات البحرية حول العالم، إلى مدينة سياحية مثل البندقية أو هونغ كونغ. وأصبح تبدل الحرس على مدخل باكنغهام «فرجة» مثل الرسوم المتحركة، بعدما كان رمزا لعرض القوة والصلابة والتزمت.

لم أعد أشاهد أفلام جيمس بوند منذ أن تعرفت إلى بطله الأول، روجر مور، ثم إلى بطله الثاني، شون كونري. وقد رأيت أن أيا من الرجلين لا يمكن أن يطير، ولا هو يحمل مسدسا، بالكاد سكينا لقطع اللحم. وما بين عالم السينما الجميل وعالم الحقيقة الشديد القباحة رأينا أنه أصبح لبريطانيا عدو جديد، هو الدبلوماسية الإسرائيلية، التي بين مهامها تزوير الجوازات في بلاد الغير واغتيال المناضلين في أسرّتهم.