فرصة جديدة للمرتزقة السويسرية

TT

أصبح هذا البلد المترف، سويسرا، مهددا بالفقر الآن. تصوروا مواطنا سويسريا ينضم عن قريب للشحاذين ويستعطي لقمة عيش من المارة. ولكن من يدري، ربما يحصل ذلك إذا استمرت هذه التحولات. يقوم الاقتصاد السويسري على ما يجنيه من السرية المصرفية وصناعة الساعات والسياحة. وغدت كلها مهددة. يجري ضغط دولي للقضاء على سرية البنوك. أذعنت سويسرا مؤخرا فقبلت بمبدأ كشف حسابات أي شخصية معينة عند مطالبة البنك بذلك. والمحتمل الآن أن تذعن لكشف كل أسماء المودعين لديها. إذا تم ذلك فستزول إغراءات البنوك السويسرية وستهرب الأموال منها.

وتواجه صناعة الساعات منافسة حادة من اليابان التي أخذت تنتج ساعات لا تقل جودة عن الساعات السويسرية، ولكن بعشر أعشار ثمنها.

بقيت السياحة، ولكن هنا أيضا أخذ الزبائن يفضلون الشمس على الثلج والبلاجات على الجبال ويسعون جريا وراء ما يدعى بالأسات الثلاثة sun, sand, sex (الشمس والرمل والجنس). لم تعد سويسرا المنتجع المحبوب بين الأوروبيين. حلت محلها تايلاند والفلبين وأفريقيا. وهناك شواطئ عمان لمن يبحث عن منتجعات مهذبة ومحتشمة.

ما الذي سيفعله السويسريون الحكماء للمحافظة على مستوى معيشتهم؟ أشير عليهم بالرجوع إلى ما كانوا يعيشون عليه في القرون الوسطى، عندما كانت سويسرا دولة فقيرة، وهو الارتزاق العسكري. كانوا يعيشون من التطوع لحراسة الملوك والأمراء والقتال دفاعا عن حكمهم. وتهالك القوم على خدماتهم فقد وجدوهم أخلص تماما من مواطنيهم في مهمتهم. رأيت نصبا تذكاريا في لوزان في تحية المائتين والخمسين مرتزقا سويسريا الذين أبيدوا عن بكرة أبيهم في القتال دفاعا عن لويس السادس عشر. آثروا الموت على كسر تعاقدهم وتعهدهم في الدفاع عنه. وهو ما يحرك في نفسي ذلك السؤال الذي طالما حيرني. أين كان فوج الحراسة الملكي العراقي عندما حاصرت شرذمة من الانقلابيين قصر الرحاب ونسفوه وأبادوا الأسرة المالكة؟

عبر، قبل أسابيع، نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية عن يأسه من السيطرة على الأمن نظرا لضلوع المسؤولين عن الأمن أنفسهم في عمليات خرق الأمن. وهو ما عانى منه الأميركيون أيضا في أفغانستان. يدربون الأفغاني على القتال ثم يدير بندقيته عليهم ويهرب. وفي الجزائر، اغتيل المدير العام للأمن الوطني علي تونسي. من قام باغتياله؟ أطلق الرصاص عليه معاونه الخاص. لم تعد السلطات في العالم الثالث تثق بحراسها.

جل هذه الانفجارات الحادثة في العراق ترجع للتواطؤ بين المفجرين والمؤتمنين على الأمن. إذا كان «الفوق» يسرق ويرتشي فلماذا لا يحتذي به «التحت» فيقبض ويفتح الباب للمتفجرات؟ وما الذي تستطيع السلطات أن تفعله في مثل هذا المأزق، «إذا كان حاميها حراميها» - كما يقول المثل؟

الجواب هو أن يسمعوا لما أقوله. استوردوا كتيبة من الحرس السويسريين. ستكلف كثيرا ولكن النتيجة أرخص وأضمن. سيشتغلون مثل ما تشتغل ساعاتهم، مضبوطة ومضمونة لعشر سنوات ولا تحتاج للنصب.