لهذا يرفض العرب انضمام إيران لـ«رابطة الجوار العربي»!

TT

الاقتراح الذي عرضه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى على قمة «سرت»، وطالب فيه بإنشاء «رابطة» لدول الجوار العربي؛ ومن بينها إيران وتركيا وتشاد وبعض الدول الأفريقية، اقتضى فتح هذه الصفحة القديمة الجديدة للتأكد مما إذا كان هذا الوقت ملائما لإثارة هذا الموضوع، الذي لولا بعض التحفظات المتعلقة بجمهورية إيران الإسلامية (الشقيقة) لكان الترحيب به؛ إنْ في هذه القمة الأخيرة التي يسود إحساس بأنها قد تكون القمة الأخيرة، أو بالنسبة للعرب كلهم كشعوب، تلقائيا ويتسم بالاندفاع والحماس «منقطع النظير». لا يوجد أي اعتراض على أن تكون هناك رابطة متينة تستند إلى المصالح المشتركة وفي مقدمتها المصالح الاقتصادية بين الدول الأفريقية المحاددة لـ«الفضاء العربي»، فبين هذه الدول والعرب تاريخ مشترك طويل وحسن جوار لا شك فيه، ولعل ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن هذه الدول كلها قد وصل إليها الإسلام من دون غزو وبلا حروب ومن خلال التجارة والتواصل بين الشعوب، وكل هذا على غرار وصول هذا الدين الحنيف إلى ماليزيا وإندونيسيا ودول أخرى في أقصى الشرق الآسيوي البعيد.

كل الدول الأفريقية الملاصقة لـ«الفضاء العربي» والمحاددة مباشرة لبعض الدول العربية، خاصة في غربي أفريقيا المجاور للدول المغاربية العربية، لديها إحساس يتكئ على إرث حضاري وديني متين وراسخ بأنها جزء من هذا الفضاء، وأن المصالح بينها وبينه مصالح مشتركة ومتداخلة، وأن ما يضره يضرها وما ينفعه ينفعها، وهذا يتضح بصورة جلية تتجسد حتى في كثير من الانحيازات السياسية في السنغال وتشاد وفي بعض دول القرن الأفريقي باستثناء إثيوبيا (الحبشة) خاصة عندما كانت تطرح نفسها على أنها إمبراطورية على رأسها هيلا سولاسي الذي انتهى نهاية بشعة بعد انقلاب قاده الجنرال هيلا ماريام ضد هذا الرجل الذي كان مصابا بعقدة العظمة إلى حد أنه أطلق على نفسه لقب «أسد يهوذا» واخترع حكاية أن جدّه البعيد ثمرة ذلك الزواج الأسطوري بين الملك (النبي) سليمان وبلقيس الملكة اليمنية الجميلة!!

وتجسيدا لهذه الحقيقة آنفة الذكر، فإن ما يجب أن يتذكره العرب الآن وهم يتحدثون عن «رابطة دول الجوار العربي» وفقا لما طالب به عمرو موسى في خطابه الافتتاحي لقمة «سرت» الأخيرة، هو أن الدول الأفريقية الملاصقة لـ«الفضاء العربي» وأيضا البعيدة عنه كانت الأكثر انضباطا بقرار مقاطعة إسرائيل الذي جرى تبنيه في قمة الخرطوم الشهيرة ذات «اللاءات الثلاث»: لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف، الذي بقيت تتمسك به إلى أن أزيل هذا الجدار واستبدلت به اتفاقيات ومفاوضات ما قبل وما بعد مؤتمر مدريد ثم مبادرة السلام العربية التي أُقرت في قمة بيروت وجرى التأكيد عليها في كل القمم اللاحقة بما في ذلك القمة الأخيرة.

وبهذا، فإنه لا خلاف إطلاقا على أي من الدول الأفريقية التي يجمعها جوار جغرافي مع أي من الدول العربية بأن تكون جزءا من «رابطة الجوار العربي» التي دعا إليها وطالب بإنشائها عمرو موسى في قمة «سرْت» الأخيرة وأيده في ذلك بعض الدول العربية بصورة فورية وتلقائية، كما أنه لا خلاف إطلاقا على أن تكون تركيا في هذا العهد الميمون هي واسطة عقد هذه «الرابطة»، فهي حتى عندما كانت أنظمتها المتلاحقة امتدادا للنظام الذي أقامه وأرسى دعائمه مصطفى كمال (أتاتورك) بعد الحرب العالمية الأولى، لم يسجل عليها أي تدخل سافر في شؤون العرب الداخلية مع أن احتلالها للواء الإسكندرون كان لا يزال طريّا وفي ذاكرة عرب بلاد الشام، ومع أنها في إطار الحرب الباردة وصراع المعسكرات كانت معادية لما كان يعتبر أنظمة تقدمية ويسارية وقومية عربية كنظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ونظامي حزب البعث في العراق وفي سورية والنظام الذي أقامه ثوار ثورة المليون ونصف المليون شهيد في الجزائر، هذا بالإضافة إلى النظام شبه الشيوعي الذي كان يحكم في الجزء (الشطر) الجنوبي من اليمن.

وهنا فلعل ما يجب تذكره والإشارة إليه، ونحن بصدد الحديث عن اقتراح إنشاء «رابطة الجوار العربي» الذي ضمنه الأمين العام للجامعة العربية في خطابه الافتتاحي لقمة «سرْت» الأخيرة، هو أن دول هذا الجوار الرئيسية الثلاث، أي تركيا وإيران والحبشة، قد ناصبت دول العرب الناشئة، التي قامت على أنقاض انهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، العداء وبقيت تقوم بوظيفة استنزافية لنهوض العرب ولكل مساعي ومحاولات وحدتهم وتوحدهم لحساب الغرب الاستعماري أولا ثم لحساب إسرائيل التي أُنشئت كمشروع استعماري غربي في فلسطين التي تشكل الموقع الاستراتيجي في قلب وطن الأمة العربية.

وحقيقة، وهذا أمر معروف لا يحتاج لا إلى براهين ولا إلى أدلة، أن إيران في عهد الشاه الأخير محمد رضا بهلوي وفي عهد والده رضا بهلوي لم تكتف بمجرد العداء للعرب وقضاياهم القومية العادلة وفي مقدمتها قضية الوحدة وقضية فلسطين، بل إنها بقيت تتدخل تدخلا سافرا وفجّا في الشؤون العربية الداخلية، وكانت ذروة هذا التدخل احتلال الجزر الإماراتية الثلاث؛ طنب الكبرى وطنب الصغرى و«أبو موسى»، وفتح جبهة استنزاف عسكري بقي متواصلا في العهد الملكي الذي جرى اغتياله في انقلاب يوليو (تموز) عام 1958 وفي كل العهود الانقلابية اللاحقة.

لقد فتح الشاه الأخير محمد رضا بهلوي أبواب إيران على مصاريعها لإسرائيل وأنشأ لها سفارة استخبارية في طهران وإنْ تحت اسم «المكتب التجاري» كان نشاطها يتركز على العراق وعلى باكستان وبالطبع على الدول العربية الخليجية، وهذا أيضا ما بقيت تركيا تفعله إلى ما قبل بزوغ فجر هذا النظام العظيم الواعد الذي يرأسه الثنائي الناجح عبد الله غل - رجب طيب أردوغان، الذي بادر فورا إلى فتح صفحة جديدة مع دول الجوار العربي وعلى وجه الخصوص بوابته الشمالية سورية التي، لإظهار المزيد من حسن النوايا بالإضافة إلى إبعاد عبد الله أوجلان عن أراضيها، بادرت إلى طي صفحة لواء الإسكندرون الذي بقي يشكل عامل تنغيص للعلاقات السورية – التركية، بل أيضا للعلاقات العربية - التركية بصورة عامة.

وهنا، فإن ما يشكل حرقة في قلوب العرب الذين استقبلوا ثورة الخميني في فبراير (شباط) عام 1979 بفرحة عارمة وبالآمال العريضة هو أن هذه الثورة لم تُتْبع إسقاط عرش الطاووس الشاهنشاهي بفعلِ ما فعَله لاحقا حزب العدالة والتنمية بقيادة الثنائي رجب طيب أردوغان - عبد الله غل، ولم تمد يدها إلى أشقائها العرب، القريبين والبعيدين، بيضاء من غير سوء، بل إنها تجاوزت ما كان يفعله «الشاه المقبور» وسعت إلى تصدير ثورتها وبقوة السلاح والتآمر المتواصل إلى معظم الدول العربية.

كان المتوقع أن تكون هذه الثورة للمسلمين كلهم وأن تحول إيران بشعبها الشقيق العظيم وبموقعها الاستراتيجي الهام عمقا فعليا للعرب من الشام إلى تطوان ومن المحيط إلى الخليج، لكن هذا لم يحصل، والمؤسف أن النظام الخميني لجأ بعد انتصار ثورته إلى التدخل في الشؤون الداخلية لكل دول الخليج والعراق واليمن ومصر ومعظم الدول المغاربية، وهذا هو ما يُلزم معظم الدول العربية بعدم الاستجابة لدعوة عمرو موسى لإنشاء «رابطة الجوار العربي» وعدم قبول طهران عضوا في هذه الرابطة ما لم تضع حدا لتدخلها في الشؤون العربية الداخلية، وما لم تغلق دكاكينها المسلحة في لبنان وفي فلسطين وفي اليمن، وما لم تُنه وجودها الاستخباري بقيادة الجنرال قاسم سليماني في العراق وتتوقف عن العبث بالوحدة الوطنية العراقية وتكفّ عن دق الأسافين بين طوائف وإثنيات هذا البلد، التي كانت متآخية ومتلاحمة مع أن نظام صدام حسين بقي يستخدم بعضها ضد بعضها الآخر من أجل الحفاظ على نظام حكمه الذي لا خلاف على أنه أبشع الأنظمة التي عرفها التاريخ وأكثرها دموية.