القول بأنه من غير المقبول امتلاك إيران أسلحة نووية يعني قبوله

TT

في مارس (آذار) 1936، احتل هتلر منطقة نهر الراين. وفي رد فعله، ندد ليون بلوم، رئيس الوزراء الفرنسي، بهذا الإجراء باعتباره «غير مقبول». بيد أنه على أرض الواقع قبلت فرنسا وبريطانيا وباقي دول العالم. وبعد سنوات، علق رايموند آرون، المفكر السياسي الفرنسي، بقوله: «إن القول بأن أمرا ما غير مقبول كان بمثابة القول بأنه مقبول». في مارس (آذار) 2010، مع مضي إيران قدما في برنامجها لإنتاج الأسلحة النووية، قالت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، خلال خطاب ألقته في مؤتمر نظمته «اللجنة الأميركية - الإسرائيلية للشؤون العامة»، الأسبوع الماضي، في فقرة واحدة، إن امتلاك إيران أسلحة نووية سيكون «أمرا غير مقبول» ما لا يقل عن أربع مرات، حيث قالت إن هذا الأمر ببساطة لن يكون مقبولا، «لن يكون مقبولا للولايات المتحدة. لن يكون مقبولا لإسرائيل. لن يكون مقبولا للمنطقة والمجتمع الدولي». وبعد ذلك، ربما لشعورها بشبح رايموند آرون خلف ظهرها، سارعت كلينتون بإضافة: «لهذا دعوني أتحدث بصراحة كبيرة: الولايات المتحدة عاقدة العزم على منع إيران من الحصول على أسلحة نووية». بيد أن هذه المحاولة لإعادة التأكيد أثارت شبحا آخرا (على الأقل بالنسبة لي): وهو شبح ريتشارد نيكسون. ألم يعتد نيكسون القول دوما، في أكثر لحظاته كذبا، إنه يرغب في التحدث بصراحة شديدة؟ الأمر الذي بات واضحا على نحو متزايد من خطاب كلينتون ومجمل سلوك الإدارة الأميركية - وكذلك من الإجراءات التي اتخذها، أو بالأحرى لم يتخذها «المجتمع الدولي» - أننا جميعا نتحرك نحو قبول سلاح نووي إيراني. لقد خصصت وزيرة الخارجية ست فقرات من مجمل 52 فقرة للحديث عن إيران. وبدأت بالاعتراف بأنه «بالنسبة لإسرائيل، لم يعد هناك تهديد استراتيجي أكبر» من إمكانية امتلاك النظام الإيراني الراهن أسلحة نووية. وشرحت كيف أن هذه الإمكانية ستحمل تهديدا لإسرائيل والمنطقة والعالم، لتبلغ ذروة حديثها عن «اللا مقبولات». وبعد ذلك، شرعت بإيجاز في الدفاع عن قرار إدارة أوباما محاولة التعاون مع إيران، معترفة بأنه (بصورة رئيسية) أخفقت جهود التعاون، لكنها ادعت أنه على الأقل «رأى العالم أن إيران، وليس الولايات المتحدة، هي المسؤول عن حالة التأزم. وبالنظر إلى منشآتها النووية السرية وانتهاكاتها المتزايدة لواجباتها في ظل نظام منع الانتشار النووي والتوسع غير المبرر في نشاطات تخصيب اليورانيوم، باتت مزيد من الدول تعرب عن مخاوفها العميقة حيال النوايا الإيرانية». الآن، ماذا تفعل الدول التي أصبحت أكثر قلقا حيال ما تقوم به إيران؟ تقول كلينتون: «هناك إجماع دولي متزايد إزاء اتخاذ خطوات للضغط على القادة الإيرانيين لتغيير مسارهم». لكن التساؤل ما هي طبيعة هذه الضغوط؟ تشير كلينتون إلى أنها قرارات جديدة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تنص على «عقوبات مؤلمة». الواضح أن هذه لن تكون العقوبات «المصيبة بالشلل» التي وعدت بها كلينتون العام الماضي - وإنما ستكون عقوبات مؤلمة. (ثم علمنا، أواخر الأسبوع، أنه يجري تعديل العقوبات بحيث لا تسبب ألما مفرطا - سعيا لكسب تأييد «المجتمع الدولي»). المعروف أن ثلاثة قرارات من مجلس الأمن جرى تمريرها في عهد إدارة بوش، قبل الصحوة الدولية الكبرى التي تحققت بفضل سياسة التعاون التي انتهجها أوباما. وقد وجدت كلينتون نفسها مضطرة للاعتراف بأن «الأمر يستغرق بعض الوقت لصياغة هذه العقوبات الجديدة»، لكنها أصرت على أن «الوقت يشكل استثمارا جديرا من أجل الفوز بأكبر تأييد ممكن لجهودنا». وأعادت التأكيد على أنه «لن نتخلى عن التزامنا بالحيلولة دون حصول إيران على الأسلحة النووية». الملاحظ أن ما أغفلت كلينتون ذكره على نحو لافت للانتباه كجزء من هذا «الالتزام»، وهو بالمناسبة لفظ آخر كان تاريخه الدبلوماسي العاثر سيثير قطعا تعليقات لاذعة من قبل رايموند آرون، أن جميع الخيارات مطروحة. وما لم تذكره أن القوة تبقى الملاذ الأخير، لكن الموثوق به، ضد الخطط النووية الإيرانية، وأننا سنحاول مساعدة المعارضة على تغيير ما عليه «القادة الإيرانيون». إذن، لم تذكر كلينتون شيئا عن تغيير النظام، ولا عن الاستخدام المحتمل للقوة، وإنما اقتصر حديثها على «عقوبات مؤلمة» تحظى بتأييد واسع النطاق، لكنها ليست مؤلمة على نحو مفرط. بعد ذلك، تحولت كلينتون للحديث عن قضايا أخرى، ويكاد المرء يسمع صوت تنهيدة ارتياح صادرة عنها لذلك، خاصة أنه على أية حال «لا تعد إيران مصدر التهديد الوحيد في الأفق. وإنما تجابه إسرائيل بعض أصعب التحديات في تاريخها». ثم دخلنا إلى متاهة عملية السلام والمستوطنات وغيرها من القضايا التافهة. رغم ذلك، تبقى الحقيقة أن النظام الإيراني سعيه الحصول على أسلحة نووية يشكل التهديد الأكبر لأمن إسرائيل ومصالح الأمن القومي الأميركي في الشرق الأوسط. في الوقت الذي أعلن فيه كل من الرئيسين بوش وأوباما أن امتلاك هذا النظام الإيراني أسلحة نووية أمر غير مقبول، فإنهما لم يبذلا أية جهود فاعلة لمنعه. والآن، من الواضح أننا نضغط على إسرائيل لمنعها من التحرك ضد إيران لمنع الأخيرة من امتلاك أسلحة نووية. هل من العسير تذكر ماذا يحدث عندما تقبل الأنظمة الليبرالية الديمقراطية ما هو غير مقبول؟ هل من العسير الطموح بأن تنظر الحكومة الأميركية عام 2010 إلى مسألة قبول ما هو ليس مقبولا باعتبارها أمرا يتعذر قبوله؟

*خدمة «واشنطن بوست»