قصر نظر مكلف

TT

هل بدأت فعلا ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما.. وإن متأخرة عن موعدها؟

أسبوعان أميركيان حفلا بثلاثة قرارات جريئة أعادا الاعتبار لشعور كان سائدا إبان معركة الانتخابات الرئاسية بأن أوباما سيكون رئيسا «استثنائيا» للولايات المتحدة، هي:

* إقرار مشروعه للرعاية الصحية - الأول في تاريخ الولايات المتحدة.

* الاتفاق مع روسيا على خفض متبادل للأسلحة النووية - الأول منذ ثماني سنوات.

* التلويح بفرض تسوية أميركية من جانب واحد للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني في حال استمرار حكومة نتنياهو في رفض تجميد عمليات الاستيطان في القدس الشرقية - الأول في تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية الحميمة.

احتمالات «التسوية المفروضة» في الشرق الأوسطية لا تزال في إطار التخمينات إذ سربتها الـ«بي بي سي» البريطانية على موقعها الإلكتروني مقرونة بتلويح الإدارة الأميركية بالامتناع عن استخدام حق النقض (الفيتو) في حال صوّت مجلس الأمن الدولي على موضوع بناء الوحدات الاستيطانية الإسرائيلية في القدس الشرقية.

بيد أن مصادر الحكومة الإسرائيلية نفسها لمست في الاقتراحات التي قدمها أوباما إلى نتنياهو في واشنطن، مؤشرا على نيته «فرض» تسوية دائمة على الفلسطينيين والإسرائيليين معا، خلال السنتين المقبلتين على أبعد حد، وذلك في إصراره على إدراج كل قضايا النزاع «الأساسية» في المحادثات غير المباشرة التي ستجري برعاية واشنطن نفسها. لذلك تخوفت هذه المصادر من أن يكون ما عرضه أوباما على نتنياهو ليس أكثر من «رأس الجبل الجليدي» الذي يخفي، في أعماقه، تحولا جذريا في سياسة البيت حيال إسرائيل.

وهنا بيت القصيد.

هل وصلت علاقة ليكوديي إسرائيل بواشنطن إلى الطريق المسدود أم أنهم يختبرون «الممكن والمحظور» فيها ضمن إطار التحالف الاستراتيجي التقليدي مع واشنطن وحدوده؟

منذ عام 1967، وعلى مدى ثلاث وأربعين سنة، والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعيش حالة قصر نظر فاجعة أوصلتها اليوم إلى حالة تصادم مع أقرب حلفائها وأوثقهم، بعد أن اصطدمت بالأسرة الدولية بأكملها.

منذ أربعة وثلاثين عاما وحكام إسرائيل، على اختلاف تلاوينهم الحزبية، يتحدثون عن «قدس موحدة» متجاهلين رفض أي دولة من دول العالم الاعتراف، حتى الآن، بقرار إسرائيل ضم القدس الشرقية إلى أراضيها.

منذ ثلاثة وأربعين عاما وحكام إسرائيل «يصدّرون» المستوطنين اليهود، بالجملة، إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية ضاربين عرض الحائط بحظر معاهدة جنيف الرابعة المطلق لأي استيطان مدني في الأراضي المحتلة عسكريا.. إلى أن بلغ عدد الإسرائيليين القاطنين على أرض لا تعود إلى دولتهم نحو ثلاثمائة ألف. منذ ثلاثة وأربعين عاما والحكومات الإسرائيلية بأجمعها «رهينة» الأحزاب المتطرفة، قوميا ودينيا، و«أسيرة» اللوبي الاستيطاني النافذ بحيث أصبح الخضوع لـ«رغبات» المستوطنين عنوان الاستقرار الحكومي... رغم أن الرأي العام الإسرائيلي، بأكثريته العددية، لا يتعاطف مع سياسات الأحزاب الدينية والشوفينية.

مع ذلك، يصعب تقويم مدى التدهور الفعلي في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية دون اتضاح عاملين متلازمين مع هذه العلاقات، أولهما مواقف الدول الأوروبية الوثيقة التحالف مع واشنطن مما يبدو محاولة أميركية لفرض عزلة دبلوماسية على حكومة نتنياهو، وفي مقدمتها ألمانيا والمملكة المتحدة. وفي هذا السياق ربما كان طرد الحكومة البريطانية لممثل «الموساد» في السفارة الإسرائيلية في لندن، على خلفية تزوير جوازات سفر المتورطين في اغتيال القيادي الحماسي محمود المبحوح في دبي، مؤشرا أوليا على استعداد بريطانيا لمؤازرة الضغوط الأميركية على إسرائيل. واستطرادا قد يكون «صمت» حكومة أنجيلا ميركل على المطالب الأميركية من نتنياهو مؤشرا آخر على قبول ألمانيا الاتحادية بالتصعيد الأميركي الأخير حيال إسرائيل، وليس خافيا أن وزارة الخارجية الأميركية كانت طوال الأسابيع الماضية على اتصال دائم بالدولتين مما يوحي بأن الحزم المستجد على الموقف الأميركي قد يعود إلى كونه مدعوما من العواصم الغربية، إن لم يكن منسقا معها.

أما الصعيد الآخر، والأكثر فعالية، فيبقى معرفة مدى استعداد واشنطن نفسها لإعادة نظر، ولو «مدروسة»، في مستوى تعاونها الأمني مع إسرائيل. وفي هذا الإطار قد يكفي، على سبيل المثال، التلويح بوقف إمدادات قطع الغيار الأميركية الضرورية للآلة العسكرية في إسرائيل لحمل حكومة نتنياهو على إعادة حساباتها في أبعاد ضغوط واشنطن، خصوصا إذا جرى ذلك في ظل التهديدات الإيرانية بعمل عسكري، مباشر أو «بالواسطة»، ضد إسرائيل.