بالعافية!

TT

أنا رجل أحترم الأكل، وأقدر مهارة معديه. ولفناني المطبخ مكانة خاصة عندي، ولذلك كم كان ممتعا بالنسبة إليّ العشاء الذي تناولته في العاصمة السعودية، الرياض، وتحديدا في مطعم «القرية النجدية»، بمعية صاحبه، الصديق إبراهيم المنجم. والمكان مبهر بجوه التراثي، الذي فيه من لمسات الحياة النجدية التقليدية بأسلوب البناء وكماليات وتجهيزات المكان تعطيك «لمسة» لا يمكن أن تغفلها العين، وتعيدك لأيام جميلة مضت. والطعام هو «بطل» الموقف، فصحون الجريش والمطازيز والبادية والمقلقل، وغيرها مما لذ وطاب، تتحدث عن نفسها، وتجبرك على الانبهار بجودة مذاق الطعم الأصيل. وأنهيت هذه الليلة الجميلة وأنا ألح على مسمع صديقي إبراهيم بضرورة فتح فروع لمطاعمه، حتى يتمتع أكبر عدد ممكن من الناس بهذه التجربة الفريدة. قالوا قديما إن «الطبخ نفس»، وإن ليس كل من طبخ أجاد الطبخة، وهناك ذواقة، وهناك من ادعى ذلك. تذكرت ذلك وأنا في سيارتي عائدا، واسترجعت بالذاكرة «جهابذة» المائدة، أو الأشخاص الذين بالفعل أستمتع بالتذوق على موائدهم العامرة لدرايتهم الهائلة بالطعام والمقادير والأصناف وأساليب الإعداد والتحضير، وفورا بدأت أتذكر مسلم بن مسلم، ومحمد بن زقر، وعبد العزيز زيدان، وهم «أستاذة» في إعداد ما لذ وطاب من فنون المائدة، وجودة ما يقدم عليها، وكل مرة أحظى بحضور العشاء عندهم يزداد تأكدي من ذلك، ولكن هناك صديقا آخر يبهر في إلمامه وإعداده الاستثنائي لفنون المائدة وعلوم الطبخ، وهو هاني العطاس، وهو صاحب مجموعة «ليلتي» المعروفة في جدة، والمتضمنة قاعات المناسبات وسلسلة المطاعم الناجحة. بحسب علمي الشخصي، هاني العطاس لا جذور فرنسية له، ولكنه تفوق على الكثيرين من رواد وكبار الطهاة لديهم، وإذا كانت فرنسا لديها المرجعية الأكثر شهرة في تقييم وتصنيف المطاعم بنجوم تمنح عن طريق دليل ميشلان - وهو مرجع استحدثته شركة «ميشلان» الفرنسية لإطارات السيارات، وكانت في البداية نشرة داخلية لمندوبي البيع لديها لإرشادهم إلى أفضل المطاعم، ثم تحول إلى تصنيف في غاية الصرامة، يمنح لأهم المطاعم حول العالم - وذلك بنجمة أو اثنتين أو ثلاث، فأنا لا يمكن أن أدعي أنني أستطيع منحه نجمة «ميشلان»، أو حتى نجمة «كومهو»، ولكن أستطيع تأكيد أن هاني العطاس اليوم تحول في عالم إدارة المناسبات والتموين إلى مرجعية إدارة، وأرسى معايير للجودة والالتزام غير مسبوقة حتما على صعيد السوق السعودية تحديدا، وسوق الشرق الأوسط عموما، متفوقا بذلك على الكثير من الشركات العالمية الكبرى المتخصصة في إدارة الفنادق والمطاعم والمنتجعات، واليوم هو يتمكن من تقديم نماذج ناجحة من المطاعم ذات السمات «الإثنية»، كاللبناني والصيني والمختلط «fusion»، وقريبا سيطلق الهندي والتايلاندي، وهو في طريقه لإطلاق مطاعمه في الخليج العربي، لتكون الكويت أولى وجهاته. أقدّر كل من يتقن عمله ويجيده ويبدع فيه ويهتم بالتفاصيل، وشخصيا كان لي متعة التجربة مع هاني العطاس في «مطابخه»، لتجربة وتذوق بعض الأصناف الجديدة قبل إطلاقها، وكنت أراقب بتمعن دخوله في التفاصيل، ونقاشه مع الطهاة ومساعديهم في اللون والرائحة والشكل والمذاق في جلسة عمل جادة، وكأنهم يستعدون لإطلاق مكوك الفضاء، أو إجراء عملية جراحية في الدماغ، ولكنه العمل الجاد، وهذه نتائجه، والتفاصيل لا تنتهي هنا، فيأخذك لتتجول في مطاعمه فيحدثك عن الكراسي المستوردة من إسبانيا، والصحون الفرنسية، والكؤوس الإيطالية، وغيرها من التفاصيل الجمالية التي تحول عشاء أو غداء في أحد مطاعمه إلى «تجربة ممتعة». السعوديون كانوا (ولا يزالون!) متخصصين في الأكل بامتياز، ولكنهم اليوم عبر قصة كهذه قادرين على أن يقدموا ثقافة الأكل الجديدة - التي باتت لها معايير عالمية يعرفها الصيني والخليجي والأوروبي - بامتياز ونجاح. معالي «الشيف» هاني العطاس، لك تحياتي!

[email protected]