لماذا ينام الناس في اجتماعاتهم؟!

TT

لا أعلم لماذا تناقلت الصحافة العالمية بسرعة صورة رئيس الوزراء الإيطالي الذي كان نائما، في اجتماع القمة العربية المنعقدة مؤخرا في ليبيا، حيث إن سلفيو برلسكوني لم يكن هو الشخص الوحيد الذي «تغفو» عيناه في اجتماع مهم في العالم كهذا.

فكل قارئ يتذكر على الأقل موقفا واحدا شاهده أو حدث له عندما غلبه النعاس فغط في سبات عميق وهو جالس على كرسيه!

أنا شخصيا غفوت في اجتماع مطول، ولم أفق إلا حينما لكزني زميل لي كان يجلس بجواري.

وقد أفقت ذات مرة أيضا على ضحكات بعض الزملاء الخبثاء، الذين علموا لاحقا أنني لم آخذ قسطا كافيا من النوم من شدة الأرق. الأطباء يؤكدون أن «المنبهات كالقهوة والشاي لا تشعر الإنسان بالراحة ولا تدفع عنه النعاس» وأن «النوم لمدة 6 إلى 7 ساعات يعد أمرا ضروريا للحفاظ على التركيز وتقليل الشعور بالحاجة إلى النوم أثناء ساعات النهار».

وقد أجرى باحثون دراسة على فصول دراسية فوجدوا أن معدل «مدة الانتباه» attention span للشخص البالغ تتراوح بين 15 و20 دقيقة» بعدها يبدأ تركيز الإنسان بالتشتت.

وعندما اختبروا قدرة الحاضرين على «تذكر المعلومات» التي استمعوا إليها في المحاضرات، وجدوا أن معظم المعلومات التي تم ذكرها في أول خمس دقائق قد سهل على الحاضرين تذكرها.

ولذا دعا الباحثون كل من يحاضر في الناس إلى استخدام أساليب تساعد في شد انتباههم إلى أحاديثهم. واقترحوا بعضا منها، مثل: التواصل العيني وهو توزيع النظر على جميع الحاضرين، أو توجيه أسئلة إليهم - إن كان المقام يسمح بذلك - أو دعوتهم إلى الإدلاء بدلوهم في النقاش حتى لا يمل أحدهم فيشرد ذهنه أو يداهمه «النعاس» الذي يسميه الثعالبي «أول النوم» في كتابه الجميل «فقه اللغة».

أذكر أنني قد حللت في أحد كتبي الإدارية - لم تنشر بعد - خطبة الوداع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي أعتبرها أشهر خطبة في تاريخ الديانات السماوية، لأنها آخر رسالة يوصلها نبي إلى البشرية، فوجدت أن معدل مدة إلقائها كان في حدود 5 دقائق، وتوصلنا إلى ذلك التحليل بعد قراءتها بطرق وسرعات مختلفة على غرار الإلقاء المتبع في خطب الجمعة وفي الخطب الجماهيرية. وقد تعجبت وأنا أقارن هذه الخطبة بأطول خطبة في تاريخ منظمة الأمم المتحدة التي ألقاها الرئيس الكوبي فيدل كاسترو إذ امتدت إلى نحو 4 ساعات ونصف الساعة عام 1960!

ولا ألوم الحاضرين آنذاك إذا ما غلبهم النوم وهم يتابعون خطبة مطولة كهذه، مثلما حدث مع الرئيس الأميركي بيل كلينتون عندما اصطادته عدسة التلفزيون في اللحظة التي غفت فيها عيناه فأطرق رأسه فجأة، أثناء استماعه لخطبة في يوم الاحتفال بالزعيم الأسمر مارتن لوثر كنغ.

الجدير ذكره أنه كلما استخدم المرء حواس أكثر ساهم ذلك في رفع معدل تفاعله وتركيزه مع محدثه، الأمر الذي من شأنه أن يجعله يقظا ومتابعا لتسلسل أفكار المتحدث، سواء في اجتماعات العمل أو غيرها من لقاءات مهمة تستدعي آذانا صاغية، غير أن بعض الخطب المملة أصلا لن يجدي معها أي مما ذكر آنفا إلا أن يغير المتحدث من أسلوبه ويكون مقتضبا في طرحه. فضلا عن السيطرة على مسألة «حب الميكروفون» لمنح المتابعين فرصة التقاط أنفاسهم ومواصلة التركيز معنا بأريحية. كما يحتاج المتحدث إلى «جرعة من التشويق» لإقصاء الملل، مثلما يحدث مع من يشاهد فيلما شائقا يندر أن يشعر خلاله بالنعاس.

وتذكر أن أسوأ ما يمكن حدوثه هو أن يكتشفك نائما في اجتماعه مديرك المباشر، خصوصا أثناء تحدثه أو إصداره لبعض التعليمات والمهام! لا شك في أنك ستكون في وضع لا تحسد عليه!

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]