الجامعة. الجامعة.

TT

يقول علم الاجتماع إنه ليست هناك ظواهر فردية تنشأ من تلقاء نفسها. كل فرد شاذ هو نتاج مرحلة اجتماعية شاذة ومصابة بالمرض. نيرون لم يكن الأسوأ، بل أسوأ منه هو المناخ الذي أنتجه ثم تواطأ معه ثم تهالك أمامه ثم هلك به. هتلر هو نموذج عن مرحلة ألمانية. جورج بوش وبنيامين نتنياهو وصلا إلى الحكم في انتخابات حرة لا في انقلابات عسكرية. مئات الآلاف التي تنحني في سجود للزعيم المحبوب كيم جونغ إيل هي التي تحول الفقر والجوع والجهل إلى عبادة.

لا يولد شيء من فراغ. لا بد من نسيج ما، من أجل استنساخ نعجة أو فيل. المجتمع العربي لا يختلف عن سائر المجتمعات التي تنشأ عن مكوناتها وعناصرها ظواهر فردية ترفض جميع أشكال المؤسسات وتحتقر القانون وتحول الناس إلى قطعان.

في كل نفس نيرون خفي، كان يقول هـ.ج. ولز: الذي يضبط هذا النيرون، هو القانون والضمير والخوف من الناس والحرص على السمعة الإنسانية. أما نيرون المنفلت فيكتب سمعته ويصدقها. يحرق روما ويقنع أهلها بأنه يفعل ذلك من أجلهم. يحرقها ويعزف على الكمان ويدندن. لماذا؟ لأنه يدرك في اللاوعي الهمجي أن الناس سوف تصمت صاغرة أو تهتف طالبة المزيد.

ترافق كل مؤتمر قمة عربي ضوضاء لفظية مكررة حول إصلاح الجامعة العربية. كأنما الأعضاء أفضل من الأمانة العامة. كأنما العادات التي تحكم الدول أفضل من القوانين التي تحكم الجامعة. كأنما السيرة الدبلوماسية والخلقية والسياسية لعمرو موسى أقل قيمة من سير بعض الذين يعطون العالم العربي صورته الدبلوماسية والسياسية والأخلاقية.

ثمة حائط مبكى اسمه الجامعة. نفشل فنشتم الجامعة. نخفق فنزعق على الجامعة. نتحارب ونتقاتل ونتذابح ثم نذهب إلى الجامعة لنقول إنها عاجزة. نهدر ونفسد المليارات ولا نسدد التزاماتنا حيال الجامعة ثم نقوم ونسألها عن وجودها في العالم وعما فعلت للعرب.

لكن السؤال المر هو: ماذا فعل العرب للعرب وماذا فعل العرب للجامعة. ثم ماذا يفعل العرب عندما يذهبون إلى الجامعة؟ يتشاتمون ويتضاربون بالصحون ويلقون الخطب المتعالية ويتركون العجرفة تثرثر على أساس أنها القاعدة الأخلاقية والحل الوحيد. إصلاح الجامعة يبدأ في العواصم العربية. يبدأ بتسديد الالتزامات والحلم بجامعة كبرى تليق بالعصر وتمثل طموحات العرب لا نزاعات سادتهم.